تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (42)

وقوله تعالى : { سماعون للكذب } يحتمل وجهين :

يحتمل : { سماعون } أي مستمعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرفوا ، فيكذبوا عليه .

ويحتمل قوله : { سماعون للكذب } أي قائلون : ما ألقي إليهم من الكذب كانوا يقبلون ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { أكالون للسحت } قال بعضهم : كل حرام ، هو سحت . وإن كان السحت اسم كل حرام فذلك يعم ك حرام وجميع الكفرة أو أكثرهم . وقال بعضهم : السحت هو الرشوة في الحكم . فإن كان السحت هذا فذلك يرجع إلى رؤسائهم الذي يحكمون في ما بينهم ، ويأخذون على ذلك رشوة .

وقوله تعالى : { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } اختلف فيه ، قال بعضهم : هو على التخيير إذا رفعوا إلى الإمام [ أمرهم ] إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض ، ولم يحكم . [ وقال بعضهم : إنه ] منسوخ بقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم } [ الآية : 49 ] أمر بالحكم بينهم ، إذا جاؤوا ، ونهى أن يتبع أهواءهم ، وفي ترك الحكم بينهم اتباع هواهم . قالوا منسوخ بهذه الآية .

وأمكن الجمع بينهم ، وهو أن قوله تعالى : { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } في قوم من أهل الحرب دخلوا دار الإسلام بأمان ، فرفعوا إلى الإمام أمرهم ، فالإمام بالخيار إن شاء ردهم إلى مأمنهم ، ونقض عليهم ، ولم يحكم بينهم ، وإن شاء [ ما ] تركهم ، وحكم بينهم ، فذلك معنى التخيير ، والله أعلم . وقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم } ذلك في أهل الذمة الراضين بحكمنا ؛ إذا رفعوا إلى الحاكم [ أمرهم ] يجب أن يحكم بينهم ، ولا يرد عليهم ما طلبوا من إجراء الحكم عليهم لأنهم به ليس له فسخ ما أعطى لهم من العهود والمواثيق ، وهم قد رضوا بحكمنا . لذلك ألزم الحكم بينهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا } يحتمل وجهين :

يحتمل أن يقع الإعراض عنهم موقع الجفاء ، ويعدوا ذلك جفاء ، فأمن عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يلحقه ضرر منهم .

ويحتمل قوله تعالى : { فلن يضروك شيئا } أي ليس عليك ضرر ما هو فيه ؛ فإنما ضرر ذلك عليهم ، وهو كقوله تعالى : { فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } [ النور : 54 ] وكقوله تعالى : { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } الآية [ الأنعام : 52 ] .

وقوله تعالى : { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } أي بالعدل كقوله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } [ النساء : 135 ] وكقوله تعالى : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } الآية [ النساء : 58 ] .

[ وقوله تعالى ] : { إن الله يحب المقسطين } أي العادلين في الحكم .