تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { والذين تبوءوا الدار } يعني الذين اتخذوا ديارا واسعة تسعهم والمهاجرين ، وهم الأنصار .

وقوله تعالى : { والإيمان } أي آمنوا قبل هجرة هؤلاء لكي يأمن هؤلاء المهاجرين من أحبهم ، ولا يخافون شرهم .

وقوله تعالى : { من قبلهم } يعني من قبل الهجرة .

وقوله تعالى : { يحبون من هاجر إليهم } يعني أن الله تعالى ألقى محبته [ في قلوبهم ]{[20927]} حتى أنزلوا المهاجرين ديارهم ، وأنفقوا عليهم أموالهم { ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا } يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر بين المهاجرين ، وترك الأنصار ، ولم{[20928]} يقسم بينهم ، لم يجد الأنصار في قلوبهم حاجة مما أعطى المهاجرين ؛ يعني أن الله تعالى أغنى قلوبهم حتى لا يفكروا في حاجة ولا فقر البتة .

ويحتمل أن يكون المعنى من الحاجة ههنا الغل والحسد ؛ يعني أن الله تعالى طهر قلوبهم حتى لم يجدوا في صدورهم حاجة .

وقوله تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } أي يؤثرون على أنفسهم في أملاكهم أنهم لا يجدون بما يبذلون من حاجة مما يملكون ، ويؤثرون المهاجرين على أنفسهم ، ولو كان بهم حاجة .

وقوله تعالى : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } إن الله تعالى خلق في طبع البشر محبة المحاسن والمنافع والطلب لها وبغض المساوئ والمضار والهرب عنها . ثم إنه امتحنهم بالإنفاق مما يحبون وحمل النفس على ما يكرهون طلبا لنجاتهم وتوصلا إلى ثوابهم . ثم تكون وقاية الأنفس من الشح بوجهين :

أحد هما : أن يمن الله على عبده ليصير ما هو غائب عنه من الثواب في الأجل كالشاهد ، فيخفف عليه الإنفاق مما يحب ، ويصير ذلك كالطبع له .

والثاني : يوفقه الله تعالى ، ويعصمه ، ويلهمه تعظيم أمره ونهيه حتى يقهر نفسه ، ويحملها على الائتمار بأمر الله تعالى والانتهاء عما نهى عنه ، وإن كان طبعها على خلاف ذلك .

ثم إضافة الوقاية إلى نفسه تدل على أنه قد بقي في خزائنه شيء ، لم يؤته عبده حتى يصف نفسه بأنه بقي عنده شح نفسه ، ولولا ذلك لم يكن لوعده بوقاية نفسه عن شحها معنى ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فأولئك هم المفلحون } يعني الباقون في النعيم ، والفلاح في الحقيقة ، هو البقاء في النعيم .


[20927]:ساقطة من الأصل و م.
[20928]:الواو ساقطة من الأصل و م.