تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

الآية 7 ثم قوله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } يعني رد الله على رسوله من ملك الكفرة ، أو ما أعطى الله رسوله من ملك الكفرة .

وقوله تعالى : { من أهل القرى } يجوز أن يكون [ أهل ]{[20896]} القرى قد أعطوه ، أو يكون هذا{[20897]} بشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح القرى .

وقوله تعالى : { ولذي القربى } يجوز أن يقال : إن الظاهر من هذه الآية أن يكون المراد منها قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما في قوله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } [ الأنفال : 41 ] فقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تدخل في هذه الآية بالتأويل . وذلك أن المفهوم من ذكر القرابة إنما هو قرابة المخاطبين في الآية .

ومعلوم أن الخطاب في القسمة إنما هو للمغتنمين ، وفي قوله عز وجل { ما أفاء الله على رسوله } إنما هو يفهم منه قرابة الرسول عليه السلام وأما سهم ذي القربى فإن أصحابنا يسلكون في ذلك مذهبين :

منهم من يقول : إن هذا الحق في الأصل للمحتاجين من القرابة لوجهين :

أحد هما : قوله تعالى : { واليتامى والمساكين وابن السبيل } كان المراد منه منصرفا إلى المحتاجين ، فكذلك في القرابة{[20898]} .

ومنهم من قال : إن الخمس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصل به قرابته ، فلما قبض عليه السلام انقطع ذلك الحق لوجهين :

أحدهما : قوله عليه السلام : { إنا معاشر / 560 –أ / الأنبياء لا نورث ؛ ما تركنا صداقة } [ بنحوه النسائي7/132 والتمهيد 7/175 ] .

والثاني : أنهم إنما كانوا يستوجبونه برسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قبض انقطع ذلك الحق على سبيل انقطاع الحقوق عن أصحابها{[20899]} عند وفاتهم .

ثم الفائدة في منع ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوراثة وجهان :

أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستعمل نفسه في شيء من لذات الدنيا وشهواتها ، وكان قائما لله تعالى خالصا ، فإذا كان كذلك جاز أن تكون حقيقة الملك فيه لمولاه ، وإن كان في الظاهر له ، والله أعلم .

فإن قيل : أليست{[20900]} الأملاك كلها لله تعالى ؟ قيل لهم : نعم غير أن الإضافة قد تكون خصوصية حال كقوله تعالى : { ناقة الله } [ الأعراف : 73 ] [ وقوله تعالى : { أن طهرا بيتي للطائفين } [ البقرة : 16 ] ]{[20901]} .

ووجه آخرما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبوس عليه إلى يوم القيامة . ألا ترى أن زوجاته محبوسات عليه ، لا يحللن لأحد بعده ؟ ونبوته عليه لم تتحول بعده إلى غيره ؟ جاز أيضا أن توقف عليه الصلاة والسلام .

ومعلوم أن ما كان موقوفا فسبيله التصدق ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } له معنيان :

أحدهما : أنه لو لم يبين هذه المواضع لكان ذلك الخمس الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخلفه فيه الخلفاء من بعده ، فيتداوله الأغنياء بينهم .

ومعنى آخر : لو فرق هذا بين الفقير والغني لكان حين يقع هذا في [ يد الغني ]{[20902]} كان يكسب{[20903]} به فضول الدنيا ، وأما الفقير فأول [ ما ]{[20904]} يقع في يده يستمتع به في منافع [ نفسه ]{[20905]} فلذلك فرق في الفقراء ، والله أعلم .

وقال بعضهم : الدولة ، هي اسم للذي يدول بين الناس ، والدولة واحدة ، وهي فعلة .

وقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخدوه وما نهاكم عنه فانتهوا } يعني ما أعطاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الغنيمة فخذوه ، ولا تظنوا به ظنا مكروها ، { وما نهاكم عنه فانتهوا } ليس [ نهي ]{[20906]} زجر وشريعة ، ولكن نهي منع ، وما منع منكم من هذا الفيء فانتهوا عنه .

وعلى قراءة ابن مسعود رضي الله عنه { وما آتاكم الرسول فخذوه } يحتمل معنى الأمر ومعنى الإعطاء ، أي ما آتاكم من الدنيا فخذوه ، وما نهاكم من الدنيا عنه ؛ يعني زجركم عنه .

قال ، رحمه الله : ويروي{[20907]} عامة الفقهاء [ ما يحتجّون ]{[20908]} بهذه الآية في موضع مع لفظ الإيتاء ، وليس يوجب ظاهره هذا ؛ إذ الإيتاء هو الإعطاء والتمليك كقوله تعالى : { وآتوا الزكاة } [ البقرة : 43 و . . . . ] ولكن وجه الاحتجاج به أن الله تعالى لما أمرنا بأخذ معروفه عليه السلام وإن كان في أخذ المعروف من غيره صلى الله عليه وسلم خيار ، فلأن إلزامنا{[20909]} الأخذ بأمره والاتباع له أحرى وأولى ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { و اتقوا الله إن الله شديد العقاب } هذا يؤكد ما ذكر من اتباع أمره ، والله أعلم .


[20896]:ساقطة من الأصل و م.
[20897]:في الأصل و م: هذه.
[20898]:لم يذكر المؤلف الوجه الثاني.
[20899]:في الأصل و م أصحابنا.
[20900]:الهمزة ساقطة من الأصل وم.
[20901]:في الأصل و م: وبيت الله.
[20902]:في الأصل و م: بيده.
[20903]:في الأصل و م: يكتب.
[20904]:ساقطة من الأصل و م.
[20905]:من م، ساقطة من الأصل.
[20906]:من م: ساقطة من الأصل.
[20907]:من، في الأصل: ويرى.
[20908]:في الأصل: يجتمعون، في م: يحتجون.
[20909]:في الأصل و م: يلزمنا.