تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۖ وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُواْ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۖ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ أَوۡفُواْۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (152)

الآية 152 وقوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } قال أبو بكر الكيساني : { ولا تقربوا مال اليتيم } أي لا تأكلوا { مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } وقال : ثم اختلف في الوجه الذي يحسن ؛ قال بعضهم : هو أن يعمل له ، فيأكل من ماله أجرا لعمله . وقال آخرون : يأكله قرضا . وذلك مما اختلفوا فيه ، وقال غيرهم : هو أن ينتفع بدوابه ، ويستخدم جواريه ، ونحو ذلك . وقال [ غيرهم ]{[7928]} : وذلك مما لا يحتمل تأويل الآية .

وعندنا أن الآية باحتمال هذا أولى لما تقع لهم الضرورة في استخدام مماليكه وركوب دوابه والانتفاع بذلك لما تقع لهم المخالطة بأموال اليتامى كقوله تعالى : { وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح } فإذا كان لهم المخالطة لا يسلمون من{[7929]} الانتفاع بما ذكرنا .

وقال الحسن : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } أي إلا بالوجه الذي جعل له . والوجه الذي جعل له هو أن يكون فقيرا ، وهو ممن تفرض نفقته في ماله ، فله أن يقرب ماله . وعندهم أن نفقة المحارم تفرض [ في ]{[7930]} مال اليتيم إذا كانوا فقراء . فبان أن جعل له التناول في ماله ، وإن كان لا تفرض نفقته في ماله .

ثم الآية تحتمل وجهين عندنا :

أحدهما : ألا تقربوا مال اليتيم إلا بالحفظ والتعاهد له ؛ أمر كافل اليتيم أن يحفظ ماله ويتعاهده .

والثاني : [ أن ]{[7931]} يقرب ماله بطلب الزيادة له والنماء .

ولذلك قال أبو حنيفة رضي الله عنه : إنه{[7932]} يجوز لكافل اليتيم إذا كان وصيا أن يقرب ماله بيعا إذا كان ذلك خيرا لليتيم ، إن وقع له الفضل ، وطلب له الزيادة والنماء { حتى يبلغ أشده } .

وقال أبو بكر : قوله تعالى : { حتى يبلغ أشده } أي حتى يبلغ الوقت الذي يتولى أموره كقوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشدا } الآية [ النساء : 6 ] .

وقال غيره من أهل التأويل : الأشد ثماني عشرة سنة . ويشبه أن يكون الأشد هو / 165-ب/ الإدراك حتى يدركوا .

وقوله تعالى : { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط } يشبه أن يكون قوله : { وأوفوا الكيل والميزان } في اليتامى أيضا ؛ أمر أن يوفوا{[7933]} لهم الكيل والميزان ، ونهاهم ألا يوفوا{[7934]} لهم على ما نهاهم عن قربان مالهم { إلا بالتي هي أحسن } وكذلك قوله : { وإذا قلتم فاعدلوا } في ذلك القول { ولو كان ذا قربى } منكم .

وقوله تعالى : { وبعهد الله أوفوا } أي بعهد الله الذي عهد إليكم في اليتامى أوفوا بقوله : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } وقوله : { ولا تأكلوها إسرافا وبدارا } [ النساء : 6 ] وغير ذلك أوفوا بما عهد إليكم منهم .

ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط } في اليتامى وفي غيرهم ، في كل الناس ؛ وهو لوجهين :

أحدهما : أن في ترك الإيفاء اكتساب الضرر على الناس ومنع حقوقهم ، فأمر بإيفاء ذلك كقوله تعالى : { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } [ الأعراف : 85 ] .

والثاني : للربا لأنه يلزم{[7935]} مثل كيلا في الذمة ، فإذا لم يوف{[7936]} حقه ، وأعطاه دونه ، صار ذلك الفضل له ربا .

وقوله تعالى : { لا نكلف نفسا إلا وسعها } يحتمل هذا وجهين :

أحدهما{[7937]} : لا نكلف أحدا ما [ في ]{[7938]} تكليفنا إياه تلفه [ وإن كان يجوز له تكليف ما في التكليف تلفه ]{[7939]} كقوله تعالى : { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم } الآية [ النساء : 66 ] وعلى ما أمر من بني إسرائيل بقتل أنفسهم .

والثاني : لا نكلف أحدا ما [ في ]{[7940]} تكليفنا إياه منعه نحو من يؤمر بشيء ، لم يجعل له الوصول إلى ذلك أبدا . ويجوز أن يؤمر بأمر ، وإن لم يكن له سبب ذلك لأمر بعد أن يجعل له{[7941]} الوصول إلى ذلك السبب ، نحو من يؤمر بالصلاة ، وإن لم يكن معه سبب ذلك ، وهو الطهارة ، ونحو من يؤمر بالحج بقوله : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه } [ آل عمران : 97 ] هذا يدل على أن من جعل في وسعه الوصول إلى شيء يجوز أن يكلف ذلك{[7942]} ، ويصير باشتغاله بغيره مضيعا أمره .

وقوله تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا } قال بعض أهل التأويل : هذا في الشهادة كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كانوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } الآية [ النساء : 135 ] ويحتمل قوله تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا } كل قول . والقول أحق أن تحفظ فيه العدالة من الفعل ، لأنه بها{[7943]} تظهر الحكمة من السفه والحق من الباطل ، فهو أولى .

وقوله تعالى : { وبعهد الله أوفوا } أي بعهد الله الذي عهد إليكم في التحليل والتحريم والأمر والنهي وغير ذلك .

{ ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون } ذكر هنا { تذكرون } وفي الآية الأولى { تعقلون } وفي الآية التالية{[7944]} { تتقون } إذا عقلوا تفكروا ، واتعظوا ، وعرفوا ما يصلح ، وما لا يصلح ، وقوله تعالى : { تذكرون } أي تتعظون بما وعظكم به ، وزجركم عنه ، أو : { تتقون } مهالككم ، وتتقون محارمكم .


[7928]:- ساقطة من الأصل وم.
[7929]:- في الأصل وم: عن.
[7930]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7931]:- ساقطة من الأصل وم.
[7932]:- في الأصل وم: بأنه.
[7933]:- في الأصل وم: يعرفوا.
[7934]:- في الأصل وم: يعرفوا.
[7935]:- في الأصل وم: لزم.
[7936]:- في الأصل وم: يعرف.
[7937]:- في الأصل وم: يحتمل.
[7938]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7939]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7940]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7941]:- في الأصل وم: لهم.
[7942]:- أدرج قبلها في الأصل وم: على.
[7943]:- في الأصل وم: به.
[7944]:- في الأصل وم: الأخيرة.