تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ} (137)

الآية 137 وقوله تعالى : { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها } هو ما سبق من الوعد بوراثة الأرض فيها وإنزالهم فيها ، وهو قوله تعالى : { عسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض } [ الأعراف : 129 ] وكقوله تعالى : { ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين } [ القصص : 5 ] . كان وعد لهم الاستخلاف والإنزال في أرض{[8864]}عدوّهم . ثم أخبر أنه أنزلهم ، وأورثهم على ما وعد لهم بقوله : { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } باستعبادهم { مشارق الأرض ومغاربها } قيل فيه بوجوه .

قيل : { مشارق الأرض ومغاربها } مملكة فرعون مصر ونواحيها ما يلي ناحية الشرق وناحية الغرب .

وقيل : { مشارق الأرض ومغاربها } كان في بني إسرائيل من بلغ ملكه { مشارق الأرض ومغاربها } كقوله تعالى : { وفضّلناهم على العالمين } [ الجاثية : 16 ] قيل : عالمي زمانهم من نحو ذي القرنين وداوود وسليمان .

وقيل : { مشارق الأرض ومغاربها } أن تصلّوا على أهل مشارق الأرض ومغاربها كقوله تعالى : { وفضّلناهم على العالمين } [ الجاثية : 16 ] قيل : عالمي زمانهم . ثم تفضيله إياهم على البهائم بالجوهر والخلقة ، وعلى الجن بالرسالة والنبوّة والمنافع ، وعلى جوهرهم من بني آدم بالرسالة والحكمة والملك كقوله تعالى : { إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين } [ المائدة : 20 ] .

وقوله تعالى : { التي باركنا فيها } قيل : أرض الشام ، وقيل : أرض مصر ونواحيها ، وقيل : [ سمّاها مباركة ]{[8865]} لأنها مكان الأنبياء عليهم السلام وقيل : مباركة لكثرة أنزالها وسعتها .

وقوله تعالى : { وتمّت كلمة ربك الحسنى } قيل : هي الجنة ، أي تمّت لهم الجنة { بما صبروا } وقيل : { وتمّت كلمة ربك الحسنى } بما كان وعد لهم أن ينزلهم فيها ، ويستخلفهم ، تم ذلك الوعد ؛ وهو ما قال : { ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض } [ القصص : 5 ] ثم ما وعد لهم أن يمنّ عليهم .

وقوله تعالى : { بما صبروا } يحتمل { بما صبروا } على أذى فرعون . ويحتمل { بما صبروا } على{[8866]} أداء ما أوجب عليهم ، والله اعلم .

وقوله تعالى : { ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون } قال بعضهم : قوله تعالى : { ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه } على الوقف على { وقومه } [ فيكون قوله تعالى ]{[8867]} { وما كانوا يعرشون } معطوفا على قوله تعالى : { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها } { وما كانوا يعرشون } وهو من العرش الذي يتخذه الملوك .

وقيل : { ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون } أيضا أي أهلكنا ما كانوا يعرشون .

قال القتبيّ : يعرشون أي يبنون ، والعرش البيوت{[8868]} ، والعرش السقوف{[8869]} . وقال أبو عوسجة : { ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه } أي أهلكنا ، وأفسدنا { وما كانوا يعرشون } [ يعرشون ، ويفرشون ]{[8870]} ؛ يعني يبنون من البيوت والكروم والأشجار .

وقيل : في وقوله تعالى : { كانوا يستضعفون } يعني بالاستضعاف قتل الأبناء واستحياء النساء بأرض مصر . ورّثهم الله ذلك . وقيل : في قوله تعالى : { وتمّت كلمة ربك الحسنى } وهي{[8871]} النعمة التي أنعم على بني إسرائيل { بما صبروا } على البلاء حين كلّفوا ما لا يطيقون من استعباد فرعون إياهم . والكلمة التي ذكر ما ذكر في [ السورة ]{[8872]} القصص { ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض } [ الآية : 5 ] .


[8864]:من م، في الأصل: الأرض.
[8865]:في الأصل وم: سماء مباركا.
[8866]:في الأصل وم: من.
[8867]:ساقطة من الأصل وم.
[8868]:في الأصل وم: بيوت.
[8869]:في الأصل وم: سقوف.
[8870]:في الأصل وم: يعرش ويفرش.
[8871]:من م، في الأصل: وهو.
[8872]:ساقطة من الأصل وم.