تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم } [ قال الحسن : قوله تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم } ]{[8117]}أراد آدم خاصة ؛ لأنه قال : { خلقناكم ثم صوّرناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } أخبر أنه أمر{[8118]} الملائكة بالسجود لآدم بعد الخلق . ولو كان المراد نحن لكان بعد { خلقناكم ثم صوّرناكم } وقد كان السجود قبل ذلك .

وقال غيره : المراد{[8119]} منه البشر كله ؛ لأنه قال : { ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا } ولو كان المراد لآدم بقوله تعالى : { خلقناكم ثم صوّرناكم } خاصة لكان لا يذكر آدم ثانيا . فدل [ أنه ]{[8120]} أراد ذريته .

وقال بعضهم { خلقناكم } آدم { ثم صوّرناكم } في أرحامكم . ويحتمل ما قال الحسن . ويحتمل وجها آخر ؛ وهو أن قوله تعالى : { ولقد خلقناكم } أي قدّرناكم من ذلك الأصل ، وهو نفس آدم ؛ لأن الخلق هو التقدير كما تقول : أنا خلقته ؛ أي قدّرته ، يقول ، والله أعلم ، { خلقناكم } أي قدّرناكم جميعا من ذلك الأصل والكيان . ومنه صوّرناكم { ثم قلنا للملائكة } أي وقد قلنا للملائكة { اسجدوا لآدم } وذاك جائز في اللغة .

وقد يقول بعض أهل الكلام : إن النطفة هي إنسان بقوة ، ثم تصير إنسانا بفعل . ويقول بعضهم : هي كيان الإنسان . فجائز أن يكون أضاف إلى ذلك الطين لما هو كيان وأصل لنا .

وقوله تعالى : { فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين } قال الحسن : إبليس لم يكن من الملائكة /169-ب/ وذلك أن الله عز وجل ، وصف الملائكة جملة بالطاعة والخضوع بقوله : { ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } [ الأنبياء : 27 ] وقوله{[8121]} : { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [ التحريم : 6 ] وغيرهما{[8122]} من الآيات ، ولم يكن من إبليس إلا كل شر . وقال أيضا : خلق الملائكة من نور وإبليس من نار ، والنار ليست من جوهر النور . دل أنه ليس من الملائكة .

وقال في قوله تعالى : { فسجدوا إلا إبليس } مثل هذا يجوز أن يقال : [ في ]{[8123]} هذه الدار أهل البصرة إلا رجلا{[8124]} من أهل الكوفة . دل الاستثناء : على{[8125]} أن يدخل هنالك أهل الكوفة . فعلى ذلك يدل استثناء إبليس على أن قال : هنالك أمر بالسجود لآدم لغير الملائكة أيضا . ولكن ليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة أنه كان من الملائكة أو من غيره ، إنما علينا أن نعرف أنه عدوّ لنا . وقد ذكرنا هذه في ما تقدم .


[8117]:من م، ساقطة من الأصل.
[8118]:في الأصل وم: و.
[8119]:أدرج قبلها في الأصل: و.
[8120]:ساقطة من الأصل وم.
[8121]:في الأصل:وم: وقال.
[8122]:في الأصل وم: غيره.
[8123]:ساقطة من الأصل وم.
[8124]:في الأصل وم: رجل.
[8125]:في الأصل وم: إلا.