تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{بَلۡ يُرِيدُ ٱلۡإِنسَٰنُ لِيَفۡجُرَ أَمَامَهُۥ} (5)

الآية 5 : وقوله تعالى : { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه } قال أهل التفسير : يؤخر التوبة ، ويقدم المعصية ، ويقول : سوف أتوب ، فيأتيه الموت على شر حاله ، وعندنا يخرج على وجهين :

أحدهما : جائز أن يكون ذكر الإرادة لا على تحقيقها ، ولكن من فعل شيئا فعله على الإرادة والاختيار ، فكنى بالإرادة عن الفعل لأنها تقترن بالفعل ، فيكون في ذكرها ذكر الفعل ، وهو كقوله : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } [ ص : 27 ] ولكن خلقها خرج على الحكمة بالبعث والجزاء .

ففي ترك القول بالبعث وصف بأن خلقهما للعب والباطل ، ويؤدي إلى هذا ، فيصير كأنهم قالوا ذلك ، وظنوا كذلك . فعلى هذا يحمل الأمر على الظن ، لا أن وجد منهم الظن في الحقيقة . فكذلك إذا فعلوا فعل الفجور ، وكان فعلهم على الإرادة والاختيار ، فكأنهم أرادوا أن يفجروا أمامه ، لا أن كانت الإرادة منهم متحققة ، والاختيار لذلك مقصودا .

[ والثاني : ]{[22756]} جائز أن يكون على تحقيق الإرادة ؛ وذلك أن للشر والفجور سبلا من سلكها أفضت[ به ]{[22757]} إلى أن يستحق اسم الفجور ، وللخير والهدى سبلا من سلكها أفضى به{[22758]} الأمر إلى أن يستحق اسم البر والتقوى . فإنما صار إلى الفجور وإلى أنواع الشرور بسلوكه ذلك السبيل ، وصار مريدا من هذه الجهة .

ثم قوله تعالى : { أمامه } يحتمل وجهين :

أحدهما : في ما بقي من عمره ، لأنه يترك الاستهداء والاسترشاد ، ويمضي على العادة التي عوّد نفسه عليها{[22759]} من الشرور والضلال .

[ والثاني ]{[22760]} : يحتمل أن يكون الأمام ، هو يوم القيامة ، كقوله{[22761]} في موضع آخر : { ويذرون وراءهم يوما ثقيلا }[ الإنسان : 27 ] بعد ذكر ذلك اليوم بالأمام والوراء جميعا ، فيكون قوله : { وراءهم } أي وراء الأوقات التي خلت ومضت .

فعلى اعتبار الإضافة إلى الأوقات الماضية يكون يوم القيامة{ وراءهم } وعلى اعتبار الإضافة إلى ذلك الفاجر يكون { أمامه } لأنه يكون أمام هذا الفاجر . فبذلك استقام الوصف بالأمام والوراء جميعا .

ثم ذكر الفجور ، ولم يذكر الكفر ، وإن كان الإنسان الذي يريد أن يفجر أمامه كافرا لأن في ذكر الفجور[ تعييرا وتشيينا ]{[22762]} إذ هو اسم للتعيير خاصة ، وليس في نفس الكفر تعيير ، إذ كل أحد مؤمنا[ كان ]{[22763]} أو كافرا مؤمن بشيء[ أو ]{[22764]} كافر بشيء . فالكافر من حيث اسمه لم يصر قبيحا ، بل معناه ما قبح ، فكان الفجور أبلغ في التعبير من الكفر ، فسمي به ، والله أعلم .

وقال أبو بكر : معنى قوله : [ { يريد الإنسان ليفجر أمامه } أي ]{[22765]} يريد أن يعاين يوم القيامة القيامة ، ويعلم به أنه متى هو ؟ تفسيره على إثره ؛ [ وهو ]{[22766]} قوله تعالى : { يسأل أيان يوم القيامة } أي يريد أن يعلمه بسؤاله : متى هو ؟ فأخبر أنها تقوم : { فإذا برق البصر } { وخسف القمر }[ الآيتان : 7و8 ] والله أعلم .


[22756]:في الأصل و م:و.
[22757]:ساقطة من الأصل و م.
[22758]:في الأصل و م:بها.
[22759]:في الأصل و م: على ذلك.
[22760]:في الأصل و م: و.
[22761]:في الأصل و م: وقال.
[22762]:في الأصل و م: تعبير وتشيين.
[22763]:من م، ساقطة من الأصل.
[22764]:ساقطة من الأصل و م.
[22765]:من م، ساقطة من الأصل.
[22766]:في الأصل و م: و.