الآية 8 : وقوله تعالى : { فألهمها فجورها وتقواها } وهذا يحتمل أوجها :
أحدها : أي بين لها فجورها وتقواها ، وعلمها . فمن زعم أن المعارف ضرورية خلقة يحتج بهذه الآية ، فيقول : أخبر الله تعالى أنه علمها فجورها وتقواها وأنه وضع في نفسه ما يعرف به قبح كل قبيح وحسن كل حسن .
والأصل فيه أنه علمها أنه يعرف حسن الأشياء وقبحها جملة ببداهة العقول ، ولكن العقول لا تعرف حسن كل شيء على الإشارة إليه ولا قبح كل قبيح على الإشارة إليه ، وإنما يعرف ذلك إما بخبر يرد على لغى الرسل عليهم السلام [ وإما ]{[23680]} باستعمال الفكر .
ألا ترى أنك تجد النفس من طبعها أنها تألف الملاذ والمنافع ، وتنفر عن المكاره والآلام ، ولكنها لا تعرف معرفة كل منتفع على الإشارة ، وإنما تعرف ذلك بالذوق .
وكذلك العين تدرك الألوان ، لكنها لا تعرف [ حسن اللون ]{[23681]} وقبحه ، بل العقل هو الذي يفصل بينهما .
فعلى ذلك قد جعل في طبع العقل قبح القبائح جملة وحسن الحسن ، ولكن لا يفصل بينهما على الإشارة إلى كل في نفسه إلا بما ذكرنا ، فيكون قوله تعالى : { فألهمها فجورها وتقواها } أي جعل في نفسها ما يبين القبيح من الحسن والخبيث من الطيب ، ويبين قبح الفجور وحسن التقوى ، ويلزمه المحنة والكلفة بذلك . ثم يصل إلى معرفة ذلك إما بالرسل وإما باستعمال الفكر .
[ الثاني ]{[23682]} : أن يلهمها تقواها إذا وفى بما لله تعالى عليه من الاستقامة والمجاهدة .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ؟ [ العنكبوت : 69 ] فوعد الهداية بالجهاد ، وقال تعالى { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } [ البقرة : 186 ] .
ثم كانت الإجابة مضمنة شريطة ، وهي أن يستجيب له الداعي إذا دعاه .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي } [ البقرة : 186 ] وقوله{[23683]} تعالى : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } [ البقرة : 40 ] وقوله{[23684]} تعالى : { إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة } ؟ الآية [ المائدة : 12 ] فثبت أن الذي يلهم التقوى ، هو الذي يقوم بوفاء ما عليه . فإذا قام به ألهمه التقوى ، وبين له سبيل الفجور .
[ الثالث : ما ]{[23685]} قال أبو بكر الأصم في قوله : { فألهمها فجورها وتقواها } أي ألزمها فجورها وتقواها ، [ فيكون تقواها ]{[23686]} لها وفجورها عليها ، لا يؤاخذ أحد بفجور أحد . وفي هذا دليل على أن التقوى إذا ذكر مفردا انصرف إلى الخيرات أجمع ، وإذا قرن به البر والإعطاء انصرف إلى الاتقاء عن المحارم كقوله تعالى : { فأما من أعطى واتقى } [ { وصدق بالحسنى } ]{[23687]} [ الليل : 5 و6 ] فإذا{[23688]} بر ، واتقى ، أريد به أنه بر بكل ما يحمد عليه ، واتقى عن كل ما [ يذم عليه فاعله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.