تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ} (2)

الآية2 : وقوله تعالى : { خلق الإنسان من علق } العلق الدم الجامد . ثم قوله : { خلق الإنسان من علق } أراد كل إنسان ، وقوله{[23863]} : { علم الإنسان ما لم يعلم } ( الآية : 5 ) كذلك ، ليعلم أن اسم الفرد إذا دخله لام التعريف أريد به العموم ، وهو كقوله : { إن الإنسان لفي خسر } ( العصر : 2 ) .

وفي الآية دلالة على إبطال قول من يدعي طهارة النطفة بعلة أن الإنسان خلق منها ، فإنه أخبر أنه { خلق الإنسان من علق } نسب خلق الإنسان إليه ، ولا شك أن العلق نجس ، ثم أخبر أنه خلق الإنسان منه . فعلى ذلك أن تكون النطفة التي منها يخلق الإنسان نجسة ، وذلك غير مستحيل .

ثم أضاف خلقه مرة إلى الأحوال التي قلبت منها حين{[23864]} قال : { هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة } ( غافر : 67 ) إلى آخر ما ذكر ، وأضاف هاهنا إلى حال واحدة ، وهي العلقة ( التي ){[23865]} ذكر ، وإن لم يكن الإنسان في الحقيقة مخلوقا من العلقة والنطفة والتراب الذي ذكر ، لأن هذه الأسماء أسامي هذه الأشياء باعتبار خاصيات فيها . وتلك الخاصيات تتقدم باعتراض حال أخرى عليها ، وإنما يخلق الإنسان من المضغة ، وإنما ذكر خلق الإنسان منه ، ونسبه إلى ما ذكر لما أن الإنسان هو المقصود من خلق ذلك ، وهو النهاية التي ينتهي إليها ، فذكّر بالذكر ( ما ) ينتهي إليه من الغاية ، والله أعلم .


[23863]:في الأصل وم: و
[23864]:في الأصل وم: حيث
[23865]:ساقطة من الأصل وم