النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (182)

قوله عز وجل : { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَينَهُم } اختلف المفسرون في تأويل ذلك ، على خمسة أقاويل :

أحدها : أن تأويله فمن حضر مريضاً ، وهو يوصي عند إشرافه على الموت ، فخاف أن يخطئ في وصيته ، فيفعل ما ليس له أو أن يتعمد جَوْراً فيها ، فيأمر بما ليس له ، فلا حرج على من حضره فسمع ذلك منه ، أن يصلح بينه وبين ورثته ، بأن يأمره بالعدل في وصيته ، وهذا قول مجاهد .

والثاني : أن تأويلها فمن خاف من أوصياء الميت جنفاً في وصيته ، فأصلح بين ورثته وبين المُوصَى لهم فيما أُوصِيَ به لهم حتى رد الوصية إلى العدل ، فلا إثم عليه ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة .

والثالث : أن تأويلها فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً في عطيته لورثته عند حضور أجله ، فأعطى بعضاً دون بعض ، فلا إثم عليه أن يصلح بين ورثته في ذلك ، وهذا قول عطاء .

والرابع : أن تأويلها فمن خاف من موصٍ جنفاً ، أو إثماً في وصيته لغير ورثته ، بما يرجع نفعه إلى ورثته فأصلح بين ورثته ، فلا إثم عليه ، وهذا قول طاووس .

والخامس : أن تأويلها فمن خاف من موصٍ لآبائه وأقربائه جنفاً على بعضهم لبعض ، فأصلح بين الآباء والأقرباء ، فلا إثم عليه ، وهذا قول السدي .

وفي قوله تعالى : { جَنَفاً أَوْ إِثْماً } تأويلان :

أحدهما : أن الجنف الخطأ ، والإثم العمد ، وهذا قول السدي .

والثاني : أن الجنف الميل ، والإثم أن يكون قد أثم في أَثَرةِ بعضهم على بعض ، وهذا قول عطاء وابن زيد .

والجنف في كلام العرب هو الجَوْرُ والعُدُولِ عن الحق ، ومنه قول الشاعر :

هم المولى{[265]} وهمْ جنفوا علينا *** وإنا من لقائهمُ لَزُورُ


[265]:- البيت لعامر الخصفي، والمولى في موضع الموالي أي بني العم، وفي البيت رواية أخرى: وإن جنفوا علينا.