نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (182)

ولما كان التحذير من{[7316]} التبديل إنما هو في عمل العدل وكان الموصي ربما{[7317]} جار في وصيته{[7318]} لجهل أو غرض تسبب عنه قوله{[7319]} : { فمن خاف } أي علم{[7320]} وتوقع وظن ، أطلقه عليه{[7321]} لأنه من أسبابه{[7322]} ، ولعله عبر بذلك{[7323]} إشارة إلى أنه يقنع فيه بالظن { من موص جنفاً } أي ميلاً في الوصية خطأ { أو إثماً } أي ميلاً فيها عمداً . قال الحرالي : وكان حقيقة معنى الجنف إخفاء حيف في صورة بر - انتهى . { فأصلح بينهم } أي بين{[7324]} الموصي والموصي لهم إن كان ذلك قبل موته بأن أشار عليه بما طابت به الخواطر ، أو بين الموصي لهم والورثة{[7325]} بعد موته إن خيف من وقوع شر فوفق{[7326]} بينهم على أمر يرضونه . وقال الحرالي : وفي إشعاره بذكر الخوف من الموصي ما{[7327]} يشعر أن ذلك{[7328]} في حال حياة الموصي ليس بعد قرار الوصية على جنف{[7329]} بعد الموت ، فإن ذلك لا يعرض له مضمون هذا الخطاب ، وفي إيقاع الإصلاح على لفظة " بين " إشعار بأن{[7330]} الإصلاح {[7331]}نائل البين{[7332]} الذي هو وصل ما بينهم فيكون من معنى ما يقوله النحاة مفعول على السعة حيث لم يكن فأصلح {[7333]}بينه وبينهم{[7334]} - انتهى . { فلا إثم عليه } {[7335]}أي بهذا التبديل . ولما كان المجتهد قد يخطىء فلو أوخذ{[7336]} بخطئه{[7337]} أحجم عن الاجتهاد جزاه الله سبحانه عليه بتعليل رفع{[7338]} الإثم بقوله إعلاماً بتعميم{[7339]} الحكم في كل مجتهد : { إن الله } أي المختص بإحاطة العلم { غفور } أي لمن قصد خيراً فأخطأ { رحيم * } أي يفعل به من الإكرام فعل الراحم بالمرحوم{[7340]} .


[7316]:زيد من م وظ ومد.
[7317]:من م ومد وظ وفي الأصل: وبما.
[7318]:وقع في ظ: وظيفته – مصحفا.
[7319]:من م وظ ومد، وفي الأصل: بقوله.
[7320]:وقيل: يراد بالخوف هنا العلم أي فمن علم، وخرج عليه قوله تعالى "إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله" وقول أبي محجن: أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها والعلقة بين الخوف والعلم حتى أطلق على العلم الخوف أن الإنسان لا يخاف شيئا حتى يعلم أنه مما يخاف منه، فهو من باب التعبير بالمسبب عن السبب؛ وقال في المنتخب: الخوف والخشية يستعملان بمعنى العلم، وذلك لن الخوف عبارة عن حالة مخصوصة متولدة من ظن مخصوص، وبين الظن والعلم مشابهة في أمور كثيرة فلذلك صح إطلاق كل واحد منهما على الآخر – البحر المحيط 2 / 23
[7321]:ليس في م.
[7322]:العبارة من "وتوقع" إلى هنا ليست في ظ.
[7323]:في م ومد: به.
[7324]:في ظ: أسر.
[7325]:ليس فيظ.
[7326]:في الأصل: فوق، وفي ظ: فوقف، والتصحيح من م ومد.
[7327]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بما.
[7328]:زيد من م ومد وظ.
[7329]:في م ومد وظ: حيف.
[7330]:من م ومد وظ، وفي الأصل: لان.
[7331]:من م ومد وظ، وفي الأصل: قائل العين.
[7332]:من م ومد وظ، وفي الأصل: قائل العين.
[7333]:من م ومد وظ، وفي الأصل: بينهم وبينه.
[7334]:من م ومد وظ، وفي الأصل: بينهم وبينه.
[7335]:وقال أبو حيان الأندلسي: قال مجاهد: المعنى من خشي أن يجنف الموصى ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الإذاية أو يأتيها دون تعمد وذلك هو الجنف دون إثم فإذا تعمد فهو الجنف في إثم فوعظه في ذلك ورده فصلح بذلك ما بينه وبين ورثته فلا إثم عليه – البحر المحيط 2 / 23.
[7336]:من م ومد، وفي الأصل: أوجد وفي ظ: أوحذ.
[7337]:في م: بخطيه.
[7338]:في م: دفع.
[7339]:في م: بتعليل.
[7340]:هذه الآيات حاوية لما يطلب من المكلف من بدء حاله وهو الإيمان بالله وختم حاله وهو الوصية عند مفارقة هذا الوجود وما تخلل بينهما مما يعرض من مبار الطاعات وهنات المعاصي من غير استيعاب لأفراد ذلك بل تنبيها على أفضل الأعمال بعد الإيمان وهو إقامة الصلاة وما بعدها وعلى أكبر الكبائر بعد الشرك وهو قتل النفس، فتعالى من كلامه فصل وحكمه عدل – قاله أبو حيان في البحر المحيط 2 / 25 .