{ فَمَنْ خَافَ } أي خشي ، وقيل : علم وهو الأجود كقوله { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ } [ البقرة : 229 ] .
فلا تدعني بالفلاة فانّني أخاف *** إذا مامتّ أن لا أذوقها
أراد : أعلم . { مِن مُّوصٍ } قرأ مجاهد وعطاء وحميد وابن كثير وابو عمرو وابن عامر وأبو جعفر وشيبة ونافع : بالتخفيف واختاره أبو حاتم .
لقول النّاس : أوصيكم بتقوى الله .
قال أبو حاتم : قرأتها بمكّة بالتشديد أوّل ليلة أقمت فعابوها عليّ .
وقرأ الباقون : موصَ بالتشديد واختاره ابو عبيد كقوله : { مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } [ الشورى : 13 ] . { جَنَفاً } جوراً وعدولاً من الحقّ والجنف : الميل في الكلام والأخذ كلّها يقال : جنف وأجنف وتجانف إذا مال . قال لبيد :
إنّي أمرؤ منعت أرومة عامر *** ضيمي وقد جنفت عليّ خصوم
هم أقول وقد جنفوا علينا *** وانّا من لقائهم أزور
وقال علي عليه السلام : حيفاً بالحاء والياء أي ظلماً .
قال الفراء : الفرق بين الجنف والحيف : أن الجنف عدول عن الشيء والحيف : حمل الشّيء حتّى ينتقصه وعلى الرّجل حتّى ينتقص حقّه .
يقال : فلان يتحوف ماله أي ينتقصه منّي حافاته .
وقال المفسّرون : الجنف : الخطأ ، والأثمّ : العمد ، واختلفوا في معنى الآية وحكمها فقال قوم : تأويلها من حضر مريضاً وهو يوصّي فخاف أن ( يحيف ) في وصيته فيفعل ماليس له أو تعمد جوراً فيها فيأمر بماليس له ، فلا حرج على من حضره أن يصلح بينه وبين ورثته بأن يأمره بالعدل في وصيّته ، وينهاه عن الجنف فينظر للموصي وللورثة ، وهذا قول مجاهد : هذا ممّن يحضر الرّجل وهو يموت . فإذا أسرف أمره بالعدل ، وإذا قصرّ قال افعل كذا اعطِ فلاناً كذلك .
وقال آخرون : هو إنّه إذا أخطأ الميت وصيّته أو خاف فيها متعمداً فلا حرج على وليه أو وصيه أو والي أمر المسلمين أن يصلح بعد موته بين ورثته وبين الموصي لهم ، ويردّ الوصيّة إلى العدل والحق ، وهذا معنى قول ابن عبّاس وقتادة وإبراهيم والرّبيع .
وروى ابن جريج عن عطاء قال : هو أن يعطي عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض مما سيرثونه بعد موته . فلا إثمّ على من أصلح بين الورثة .
طاوس : [ الحيف ] وهو أن يوصي لبني ابنه يريد ابنه أو ولد أبنته يريد ابنته ، ويوصي لزوج ابنته ويريد بذلك ابنته ، فلا حرج على من أصلح بين الورثة .
السّدي وابن زيد : هو في الوصيّة للأباء والأقربين بالأثرة يميل إلى بعضهم ويحيف لبعضهم على بعض في الوصيّة . فإنّ أعظم الأجر أن لاينفذها ، ولكن يصلح مابينهم على مايرى إنّه الحق فينقص بعضاً ويزيد بعضاً .
قال ابن زيد : فعجز الموصي أن يوصي للوالدين والأقربين كما أمره الله ، وعجز الوصي أن يصلح فيوزع الله ذلك منه بفرض الفرائض ، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله تعالى لم يوص بملك مقرب ولا نبي مرسل حتّى تولّى قسم مواريثكم " .
وقال { فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ } ولم يجر للورثة ولا للمختلفين في الوصيّة ذكر ، لأنّ سياق الآية وما تقدّم من ذكر الوصيّة يدلّ عليه .
قال الكلبي : كان الأولياء والأوصياء يمضون وصيّة الميت بعد نزول الآية { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ } الآية وإن استغرق المال كلّه ويبقى الورثة بغير شيء ، ثمَّ نسختها هذه الآية { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً } الآية .
وروى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه : " قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فمرضت مرضاً أشرفت على الموت . فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يارسول الله إنّ لي مالاً كثيراً وليس يرثني إلاّ بنت لي أُفأُوصي بثلثي مالي ؟
قال : " نعم الثلث والثلث كثير ، إنك ياسعد أن تترك ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون النّاس " .
وقال مسلم بن صبيح : أوصى جار لمسروق فدعا مسروقاً ليشهده فوجده قد بذر وأكثر .
فقال : لا أشهد إنّ الله عزّ وجلّ قسم بينكم فأحسن القسمة فمن يرغب برأيه عن أمر الله فقد ضلّ ، أوصِ لقرابتك الذين لا يرثون ودع المال على قسم الله .
وعن أبي أُمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حاف في وصيّته أُلقي في اللوى واللوى واد في جهنّم " .
شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيّته فيختم له بشر عمله فيدخل النّار ، وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الشّر سبعين سنة . فإذا أوصى لم يحف في وصيته فيختم له بخير عمله . فيدخل الجنّة " ثمّ قال أبو هريرة : أقرأوا إن شئتم { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.