النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٞ وَرِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغۡفَرُ لَنَا وَإِن يَأۡتِهِمۡ عَرَضٞ مِّثۡلُهُۥ يَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ يُؤۡخَذۡ عَلَيۡهِم مِّيثَٰقُ ٱلۡكِتَٰبِ أَن لَّا يَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (169)

قوله عز وجل : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } معناه فخلفهم خلف ، والخلف بتسكين اللام مستعمل في الذم . وبفتح اللام مستعمل في الحمد . وقال أبو عبيدة . معناها [ واحد ] مثل الأثر والإثر ، والأول أظهر وهو في قول الشعراء أشهر ، قال بعضهم :

خلفت خلفاً ليت بهم *** كان ، لا بِكَ التلف

وفي الخلف وجهان :

أحدهما : القرن ، قاله الفراء .

والثاني : أنه جمع خالف .

{ وَرِثُواْ الْكِتَابَ } يعني انتقل إليهم انتقال الميراث من سلف إلى خلف وفيهم قولان :

أحدهما : أنهم من خلف اليهود من أبنائهم . والكتاب الذي ورثوه التوراة لانتقالها لهم .

والثاني : أنهم النصارى : لأنهم خلف من اليهود . والكتاب الذي ورثوه : الإنجيل لحصوله معهم ، قاله مجاهد{[1154]} .

{ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى } يعني الرشوة على الحكم في قول الجميع وسماه عرضاً لقلة بقائه . وفي وصفه بالأدنى وجهان :

أحدهما : لأخذه في الدنيا الدانية .

والثاني : لأنه من المحرمات الدنية{[1155]} .

{ وَيَقُولُونَ : سَيُغْفرُ لَنَا } يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه مغفور ، لا نؤاخذ به .

والثاني : أنه ذنب لكن الله قد يغفره لنا تأميلاً منهم لرحمته .

{ وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } فيه وجهان :

أحدهما : أنهم أهل إصرار على الذنوب ، قاله مجاهد وقتادة والسدي .

والثاني : أنهم لا يشبعهم شيء ، فهم لا يأخذونه لحاجة ، قاله الحسن .

{ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم ميثَاقُ الْكِتَابِ أَن لا يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ } يحتمل وجهين :

أحدهما : ألا يقولوا على الله إلا الحق في تحريم الحكم بالرشا .

والثاني : في جميع الطاعات والمعاصي والأوامر والنواهي .

{ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } فيه تأويلان :

أحدهما : تركوا ما فيه أن يعملوا به حتى صار دارساً .

والثاني : أنهم قد تلوه ودرسوه فهم لا يجهلون ما فيه ويقومون على مخالفته مع العلم به .


[1154]:سقط من ق.
[1155]:سقط من ق.