النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية في قول الحسن وعكرمة وجابر وعطاء{[1]} ، وقال ابن عباس : إلا سبع آيات من قوله عز وجل : { وإذ يمكر بك الذين كفروا . . . } إلى آخر سبع آيات .

قوله عز وجل : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ } وهذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله أصحابه يوم بدر عن الأنفال .

وفي هذه الأنفال التي سألوه عنها خمسة أقاويل :

أحدها : أنها الغنائم ، وهذا قول ابن عباس وعكرمة وقتادة والضحاك ،

الثاني : أنها السرايا التي تتقدم الجيش ، وهذا قول الحسن .

الثالث : الأنفال ما ندّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من دابة أو عبد ، وهذا أحد قولي ابن عباس .

الرابع : أن الأنفال الخمس من الفيء والغنائم التي جعلها الله تعالى لأهل الخمس ، وهذا قول مجاهد .

الخامس : أنها زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش لما قد يراه من الصلاح .

والأنفال جمع نَفَل ، وفي النفل قولان :

أحدهما : أنه العطية ، ومنه قيل للرجل الكثير العطاء : نوفل ، قال الشاعر{[1167]} :

يأتي الظلامة منه النوفل الزُّفَرُ{[1168]} ***

فالنوفل : الكثير العطاء . والزفر : الحمال للأنفال ، ومنه سمي الرجل زفر .

والقول الثاني : أن النفل الزيادة من الخير ومنه صلاة النافلة . قال لبيد بن ربيعة :

إن تقوى ربنا خير نفل *** وبإذن الله ريثي وعجل

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية على أربعة أقاويل :

أحدها : ما رواه ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكذَا " فسارع إليه الشبان وبقي الشيوخ تحت الرايات ، فلما فتح الله تعالى عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءاً لكم ، فأنزل الله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ }{[1169]} الآية .

الثاني : ما روى محمد بن عبيد بن سعد بن أبي وقاص قال : لما كان يوم بدر قُتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص بن أميةَ وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : هبه لي يا رسول الله ، فقال : " اطْرَحْهُ فِى القَبض " فطرحته ورجعت وبي من الغم ما لا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي ، قال : فما تجاوزت إلا قريباً حتى نزلت عليه سورة الأنفال فقال : " اذْهَبْ فُخُذْ سَيْفَك " {[1170]} .

الثالث : أنها نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدراً فاختلفوا وكانوا أثلاثاً فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ } الآية . فملّكه الله رسوله فقسمه كما أراه الله ، قاله عكرمة والضحاك وابن جريج .

والرابع : أنهم لم يعلموا حكمها وشكّوا في إحلالها لهم مع تحريمها على من كان قبلهم فسألوا عنها ليعلموا حكمها من تحليل أو تحريم فأنزل الله تعالى هذه الآية .

ثم اختلف أهل العلم في نسخ هذه الآية على قولين :

أحدهما : أنها منسوخة بقوله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال :41 ] الآية . قاله عكرمة ومجاهد والسدي .

والقول الثاني : أنها ثابتة الحكم ومعنى ذلك ؛ قل الأنفال لله ، وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة ، والرسول يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيها ، قاله ابن زيد .

{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : أن يرد أهل القوة على أهل الضعف .

الثاني : أن يسلِّموا لله وللرسول ليحكما في الغنيمة بما شاء الله .


[1]:- ذكر العلماء لفاتحة الكتاب اثنى عشر اسما هي: فاتحة الكتاب وأم القرآن وأم الكتاب وسورة الصلاة وسورة الحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم والشفاء والرقية والأساس والوافية والكافية، والحديث عند أبي داود رقم 1457 والترمذي رقم 3320.
[1167]:هو أعشي باهلة.
[1168]:هذا عجز البيت، وصدره: أخو رغائب يعطيها ويسألها انظر اللسان مادة زفر.
[1169]:رواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس وذكره السيوطي في أسباب النزول ص 106.
[1170]:رواه أحمد في المسند 1/180.