النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ} (11)

قوله تعالى : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً منْهُ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وكثيراً من أصحابه غشيهم النعاس ببدر .

قال سهل بن عبد الله : النعاس يحل في الرأس مع حياة القلب ، والنوم يحل في القلب بعد نزول من الرأس ، فهوّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ناموا فبشر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر فأخبر به أبا بكر .

وفي{[1175]} امتنان الله تعالى عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان :

أحدهما : قوّاهم بالاستراحة على القتال من الغد .

الثاني : أن أمَّنَهم بزوال الرعب من قلوبهم ، كما قال : الأمن منيم ، والخوف مسهر .

وقوله تعالى : { أََمَنَةً منْهُ } يعني به الدعة وسكون النفس من الخوف وفيه وجهان :

أحدهما : أمنة من العدو .

الثاني : أمنة من الله سبحانه وتعالى .

{ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم منَ السَّمَاءِ مَاءً ليُطَهِّرَكُم بِهِ } لأن الله تعالى أنزل عليهم ماء السماء معونة لهم بثلاثة أمور :

أحدها : الشرب وإن كانوا على ماء .

الثاني : وهو أخص أحواله بهم في ذلك المكان وهو أن الرمل تلبد بالماء حتى أمكن المسلمين القتال عليه .

والثالث : ما وصفه الله تعالى به من حال التطهير .

وفي تطهيرهم به وجهان :

أحدهما : من وساوس الشيطان التي ألقى بها في قلوبهم الرعب ، قاله زيد بن أسلم .

والثاني : من الأحداث والأنجاس التي نالتهم ، قاله الجمهور .

قال ابن عطاء : أنزل عليهم ماءً طهر به ظواهر أبدانهم ، وأنزل عليهم رحمة نقّى بها سرائر قلوبهم .

وإنما خصه الله تعالى بهذه الصفة لأمرين .

أحدهما : أنها أخص صفاته .

والثاني : أنها ألزم صفاته .

ثم قال : { وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيَطانِ } فيه قولان :

أحدهما : وسوسته أن المشركين قد غلبوهم على الماء ، قاله ابن عباس .

والثاني : كيده وهو قوله : ليس لكم بهؤلاء القوم طاقة ، قاله ابن زيد .

{ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ } يحتمل وجهين :

أحدهما : ثقة بالنصر .

والثاني : باستيلائهم على الماء .

{ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ } فيه قولان :

أحدهما : بالصبر{[1176]} الذي أفرغه الله تعالى حتى يثبتوا لعدوهم ، قاله أبو عبيدة .

والثاني : تلبيد الرمل بالمطر الذي لا يثبت عليه قدم ، وهو قول ابن عباس ومجاهد ، والضحاك .


[1175]:من قوله: وفي امتنان . . . إلى: والخوف مسهر. نقله القرطبي حرفيا. انظر جـ 7/272.
[1176]:سقط من ك.