الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ} (14)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فلما أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت فمات، "ما دَلّهُمْ عَلى مَوْتِهِ "يقول: لم يدلّ الجنّ على موت سليمان "إلاّ دَابّةُ الأرْضِ" وهي الأَرَضَة وقعت في عصاه، التي كان متكئا عليها فأكلتها، فذلك قول الله عزّ وجلّ "تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ"... وقوله: "فَلَمّا خَرّ تَبَيّنَتِ الجِنّ" يقول عزّ وجلّ: فلما خرّ سليمان ساقطا بانكسار منسأته تبيّنت الجنّ أنْ لو كانوا يعلمون الغَيْبَ الذي يدّعون علمه "ما لَبِثُوا فِي العَذَابِ المُهِينِ" المذلّ حولاً كاملاً بعد موت سليمان، وهم يحسبون أن سليمان حيّ.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فلما قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض} دل هذا على أن موته كان بحضرة أهله ومشهد منهم حيث ذكر: {ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته}.

ودل قوله تعالى: {ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض} على أنهم كانوا لا يدنون منه لأحد وجهين: إما لهيبته وسلطانه على الناس، فإن كان ذلك طاع له كل شيء، وخضع الجن والطير والوحش وغير ذلك، وإما لما كان يُكثر العبادة لله والخضوع له بتوحيده، وينفرد بنفسه، لم يجترئوا أن يدنوا منه، وإلا لو دَنَوا منه لرأوا فيه آثار الموت.

{تأكل مِنسأتَه} قيل المِنسأة العصا، سمّى مِنسأة من النساء لأنه كان بها يؤخّر ما أراد تأخيره، وبها يدفع ما أراد دفعه.

في إمساكه العصا أحد وجهين: إما لضعفه في نفسه، كان يتقوّى بها في أمور ربه، وإما يمسكها لخضوعه إلى ربه وطاعته له، وفيه دلالة أن الأنبياء عليهم السلام كانوا لا يشغلهم المُلك وفُضَل الدنيا ولا الحاجة ولا الفقر عن القيام بأمر الله وتبليغ الرسالة إلى الناس، وهما شاغلان لغيرهم.

ودلّ قوله: {ما لبِثوا في العذاب المُهين} أنه كان يأمرهم، ويستعملهم في أمور شاقة وأعمال صعبة حين ذكر لبثهم في ذلك لبثًا في العذاب المهين.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

وهكذا المَلِكُ الذي يقوم مُلكُه بغيره، ويكون استمساكه بعصا، فإنه إذا سَقَطَ سَقَطَ بسقوطه، ومَنْ قام بغيره زال بزواله.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

لما بين عظمة سليمان وتسخير الريح والروح له، بين أنه لم ينج من الموت، وأنه قضى عليه الموت، تنبيها للخلق على أن الموت لا بد منه، ولو نجا منه أحد لكان سليمان أولى بالنجاة منه.

{ما لبثوا في العذاب المهين} دليل على أن المؤمنين من الجن لم يكونوا في التسخير، لأن المؤمن لا يكون في زمان النبي في العذاب المهين.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ربما استبعد موت من هو على هذه الصفة من ضخامة الملك بنفوذ الأمر وسعة الحال وكثرة الجنود، أشار إلى سهولته بقرب زمنه وسرعة إيقاعه على وجه دال على بطلان تعظيمهم للجن بالإخبار بالمغيبات بعد تنبيههم على مثل ذلك باستخدامه لهم بقوله: {فلما} بالفاء، ولذلك عاد إلى مظهر الجلال فقال: {قضينا} وحقق صفة القدرة بأداة الاستعلاء فقال: {عليه} أي سليمان عيله السلام {الموت ما دلهم} أي جنوده وكل من في ملكه من الجن والإنس وغيرهم من كل قريب وبعيد {على موته} لأنا جعلنا له من سعة العلم ووفور الهيبة ونفوذ الأمر ما تمكن به من إخفاء موته عنهم {إلا دآبة الأرض} فخمها بهذه الإضافة التي من معناها أنه لا دابة للأرض غيرها لما أفادته من العلم ولأنها لكونها تأكل من كل شيء من أجزاء الأرض من الخشب والحجر والتراب والثياب وغير ذلك أحق الدواب بهذا الاسم، ويزيد ذلك حسناً ان مصدر فعلها أرض بالفتح والإسكان فيصير من قبيل التورية ليشتد التشوف إلى تفسيرها، ثم بين أنها الأرضة بقوله مستأنفاً في جواب من كأنه قال: أي دابة هي وبما دلت: {تأكل منسأته} أي عصاه التي مات وهو متكئ... {فلما خر} أي سقط على الأرض بعد أن قصمت الأرضة عصاه {تبينت الجن} أي علمت علماً بيناً لا يقدرون معه على تدبيج وتدليس، وانفضح أمرهم وظهر ظهوراً تاماً {أن} أي أنهم {لو كانوا} أي الجن {يعلمون الغيب} أي علمه {ما لبثوا} أي أقاموا حولاً مجرماً {في العذاب المهين} من ذلك العمل الذي كانوا مسخرين فيه، والمراد إبطال ما كانوا يدعونه من علم الغيب على وجه الصفة، لأن المعنى أن دعواهم ذلك إما كذب أو جهل، فأحسن الأحوال لهم أن يكون جهلاً منهم، وقد تبين لهم الآن جهلهم بياناً لا يقدرون على إنكاره، ويجوز أن تكون "أن "تعليلية، ويكون التقدير: تبين حال الجن فيما يظن بهم من أنهم يعلمون الغيب، لأنهم إلى آخره... وفي هذا توبيخ للعرب أنهم يصدقون من ثبت بهذا الأمر أنهم لا يعلمون الغيب في الخرافات التي تأتيهم بها الكهان وغيرهم مما يفتنهم والحال أنهم يشاهدون منه كذباً كبيراً، فكانوا بذلك مساوين لمن يخبر من الآدميين عن بعض المغيبات بظن يظنه أو منام يراه أو غير ذلك، فيكون كما قال -هذا مع إعراضهم عمن يخبرهم بالآخرة شفقة عليهم ونصيحة لهم، وما أخبرهم بشيء قط إلا ظهر صدقه قبل ادعائه للنبوة وبعده، وأظهر لهم من المعجزات ما بهر العقول، وقد تقرر أن كل شيء ثبت لمن قبل نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء من الخوارق ثبت له مثله أو أعظم منه إما له نفسه أو لأحد من أمته...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وفي الآية دليل على أن الغيب لا يختص بالأمور المستقبلة بل يشمل الأمور الواقعة التي هي غائبة عن الشخص أيضا.

ومن باب الإشارة: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاْرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} [سبأ: 14] فيه إشارة إلى أن الضعيف قد يفيد القوي علماً.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

والكتاب الكريم لم يحدد المدة التي قضاها سليمان وهو متكئ على عصاه حتى علم الجن بموته، وقد روى القصاصون أنها كانت سنة، ومثل هذا لا ينبغي الركون إليه، فليس من الجائز أن خدم سليمان لا يتنبهون إلى القيام بواجباته المعيشية من مأكل ومشرب وملبس ونحوها يوما كاملا دون أن يحادثوه في ذلك ويطلبوا إليه القيام بخدمته، فالمعقول أن الأرضة بدأت العصا وسليمان لم يتنبه لذلك، وبينما هو متوكئ عليها حانت منيته، وكانت الأرضة قد فعلت فعلها في العصا فانكسرت فجر على الأرض فعلمت الجن كذبها، إذ كانت تدعي أنها تعلم الغيب إذ لو علمته ما لبثت ترهق نفسها في شاق الأعمال التي كلفت بها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فهؤلاء هم الجن الذين يعبدهم بعض الناس. هؤلاء هم سخرة لعبد من عباد الله. وهؤلاء هم محجوبون عن الغيب القريب؛ وبعض الناس يطلب عندهم أسرار الغيب البعيد!

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

قصّة النّبي سليمان (عليه السلام) ككثير من قصص الأنبياء، اختلطت مع الأسف بروايات كثيرة موضوعة وخرافات شوّهت صورة هذا النّبي العظيم، وأكثر هذه الخرافات أخذت من التوراة الرائجة اليوم، ولو اقتنعنا بما ورد في القرآن الكريم حول هذا النّبي لما واجهتنا أيّة مشكلة.