الآية 14 وقوله تعالى : { فلما قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض } دل هذا على أن موته كان بحضرة أهله ومشهد منهم حيث ذكر : { ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته } .
ثم يذكر بعض أهل التأويل أنه سال ربه أن يُعمي على الجن موته حتى يعلمه الإنس [ { فلما خرّ تبيّنت الجن أن ]{[16949]} لو كانوا يعلمون الغيب } أعني الجن { ما لبثوا في العذاب المهين } .
وبعضهم يقول : سأل ربه أن يعمي على الجن موته حتى يفرغوا من بناء بيت المقدس ، فدأبوا حولا يعملون . فلما فرغوا من بنائه خرّ سليمان ميّتا من عصاه ، وكان متكئا عليها .
وبعضهم يقول : لما حضره الموت ، وكان على فراشه في البيت ، ولم يكن على عصاه ، فقال : لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بناء بيت المقدس ، وكان بقي عمل سنة ، ففعلوا ، فلما فرغوا من بنائه خرّ [ عند ]{[16950]}عتبة الباب . فعند ذلك علمت الجن بموته ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فلما خرّ تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين } في حرف ابن مسعود : { فلما قضينا عليه الموت } وهم يدأبون له : { ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل مِنسأته فلما خرّ } تبيّن{[16951]} للإنس أن{[16952]} الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ، لأنهم كانوا يدّعون علم الغيب ، فابتُلوا بذلك . ودل قوله تعالى : { ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض } على أنهم كانوا لا يدنون منه لأحد وجهين :
إما لهيبته وسلطانه على الناس ، فإن كان ذلك طاع له كل شيء ، [ وخضع ]{[16953]} الجن والطير والوحش وغير ذلك ، وإما لما كان يُكثر العبادة لله والخضوع له بتوحيده{[16954]} ، وينفرد بنفسه ، لم يجترئوا أن يدنوا منه ، وإلا لو دَنَوا منه لرأوا فيه آثار الموت{[16955]} اللهم إلا أن يكون ما ذكر بعضهم : أنه قال : لا تخبروا أحدا بموتي ، وأمرهم أن يكتموا موته ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { تأكل مِنسأتَه } قيل المِنسأة العصا ، سمّى مِنسأة من النساء لأنه كان بها يؤخّر ما أراد تأخيره ، وبها يدفع ما أراد دفعه .
ثم في إمساكه العصا أحد وجهين : إما لضعفه في نفسه ، كان يتقوّى بها في أمور ربه ، وإما يمسكها لخضوعه إلى ربه وطاعته له .
وفيه دلالة أن الأنبياء عليهم السلام كانوا لا يشغلهم المُلك وفُضَل الدنيا ولا الحاجة ولا الفقر عن القيام بأمر الله وتبليغ الرسالة إلى الناس ، وهما شاغلان لغيرهم .
وهم كانوا فريقين : [ فريق ]{[16956]} قد وسّع عليهم الدنيا نحو سليمان وإبراهيم وغيرهما ، وفريق ، قد اشتدت بهم الحاجة والفقر ، وكلاهما مانعان شاغلان عن القيام بأمور الله وتبليغ الرسالة ، ليُعلَم أنهم [ ما أخذوا ]{[16957]} من الدنيا ما أخذوا للدنيا ، ولكن أخذوه{[16958]} للخلق ، ولله قاموا [ في ما قاموا ]{[16959]} . لذلك [ لم يشغلهم ذلك ]{[16960]} عن القيام بما ذكرنا ، والله أعلم .
ودلّ قوله : { ما لبِثوا في العذاب المُهين } أنه كان يأمرهم ، ويستعملهم في أمور شاقة وأعمال صعبة حين{[16961]} ذكر لبثهم في ذلك لبثًا في العذاب المهين ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.