معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ} (14)

وقوله : { تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ14 } همزها عاصم والأعمش . وهي العصَا العظيمة التي تكون مع الراعي : أُخذت من نسأت البعير : زجرته ليزداد سيره ؛ كما يقال : نسأت اللبَن إذا صببتَ عليه الماء وهو النَّسِىء . ونُسِئت المرأَة إذا حبِلت . ونَسَأَ اللهُ في /152 ا أجلك أي زاد الله فيه ، ولم يهمزها أهلُ الحجاز ولا الحسن . ولعّلهم أرادوا لغة قريش ؛ فإنهم يتركون الهمز . وزعم لي أبو جعفر الرؤاسىّ أَنه سأل عنها أبا عَمْرٍو فقال ( مِنْسَاتَهُ ) بغير همزٍ ، فقال أبو عمرو : لأني لا أعرفها فتركتُ همزها . ولو جاء في القراءة : مِن ساتِهِ فتجعل ( سَاةً ) حرفاً واحداً فتخفضه بمن . قال الفراء : وكذلك حدَّثني حِبَّان عن الكلبيّ عن أبى صَالح عن ابن عبَّاس أنه قال : تأكل من عصَاه . والعرب تسمّى رأس القوس السِّيَة ، فيكون من ذلك ، يجوز فتحها وكسرها ، يعنى فتح السين ، كما يقال : إِنّ به لضِعَةً وَضَعَة ، وقِحَة وقَحَة من الوقاحة ولم يقرأ بها أحد علمناه .

وقوله : { دَابَّةُ الأَرْضِ } : الأَرَضة .

وقوله : { فَلَما خَرَّ } سُليمانُ . فيما ذكر أكلت العصَا فخَرّ . وقد كان الناس يُرونَ أَنَّ الشياطِين تعلم السرّ يكون بين اثنين فلما خرّ تبيَّن أمرُ الجن للإنس أنهم لا يعلَمُونَ الغيب ، ولو عَلِمُوهُ ما عمِلوا بَيْنَ يديه وهو ميّت . و ( أَنْ ) في موضع رفعٍ : { تبيَّن } أن لو كانوا . وذُكر عن ابن عبّاس أَنه قَالَ : بيّنت الإنسُ الجِنّ ، ويكون المعنى : تبيّنت الإنسُ أمرَ الجن ، لأن الجِن ، إذا تبيّن أمرها للإِنس فقد تبيَّنها الإنس ، ويكون ( أَنْ ) حينئذٍ في موضع نصب بتبيَّنت . فلو قرأ قارئ تبّينتِ الجنّ أن لو كانوا بجعل الفعل للإِنس ويضمر هم في فعلهم فينصب الجنّ يفعل الإنس وتكون ( أن ) مكرورة على الجنّ فتنصبها .