بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ} (14)

ثم قال عز وجل : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت } يعني : على سليمان عليه الصلاة والسلام فكان سليمان يبني في بيت المقدس ، فرأى أن ذلك لا يتم إلا بالجن . فأمرهم بالعمل وقال لأهله : لا تخبروهم بموتي . فكان قائماً في الصلاة ، متكئاً على عصاه ، وكان سليمان عليه الصلاة والسلام يطول الصلاة . فكان الجن إذا حضروا ، رأوه قائماً فرجعوا ويقولون : إنه قائم يصلي فيقبلون على أعمالهم .

وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال : كان سليمان عليه السلام إذا مرّ بشجرة يعني : بشيء من نبات الأرض قال لها : ما شأنك ؟ فتخبره الشجرة أنها كذا وكذا ، ولمنفعة كذا وكذا ، فيدفعها إلى الناس حتى ينتفعوا بها . فمر بشجرة فقال لها : ما اسمك يا شجرة ؟ فقالت : أنا خرنوبة . فقال : ما شأنك ؟ قالت : أنا لخراب المسجد . فتعصى سليمان منها عصا ، فكانت الجن يقولون للإنس : إنا نعلم الغيب . وإن سليمان سأل الله عز وجل أن يخفي موته . فلما قضى الله عز وجل على سليمان الموت لم تدر الجن ولا الإنس ولا أحد كيف مات ، ولم يطلع أحد على موته . والجن تعمل بأشد ما كانوا عليه ، حتى خرّ سليمان عليه السلام فنظروا كيف مات فلم يدروا ، فنظروا إلى العصا فرأوا العصا قد أكلت يعني : قد أكل منها ، وفي العصا أرضة . فنظروا إلى أين أكلت الأرضة من العصا . فجعلوه علماً ، ثم ردوا الأرضة فيها فأكلت شهراً ، ثم نظروا كم أكلت في ذلك الشهر ، ثم قاسوها بما أكلت من قبل . فكان لموته اثنا عشر شهراً . فتبيّن للجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين . فقالت الجن : إن لها علينا حقاً . يعني : الأرضة فهم يبلغونها الماء فلا يزال لها طينة رطبة فذلك قوله : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت } { مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ } يعني : ما دلّ على موت سليمان { إِلاَّ دَابَّةُ الأرض } يعني : الأرضة { تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } يعني : عصاه . قرأ نافع وأبو عمرو { مِنسَاتَهُ } بلا همز . وقرأ الباقون بالهمز . فمن قرأ بالهمز فهو من نسأ ينسأ إذا زجر الدابة ، ثم تسمى عصاه منسأة لأنه يزجر بها الدَّابَة . ومن قرأ بغير همز فقد حذف الهمزة للتخفيف وكلاهما جائز .

{ فَلَمَّا خَرَّ } يعني : سقط عليه السلام { تَبَيَّنَتِ الجن } علم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب . ويقال : { تَبَيَّنَتِ الجن } يعني : ظهر لهم : أنهم لو علموا الغيب { مَا لَبِثُواْ في العذاب المهين } فتفرقوا عن ذلك .