قوله تعالى ذكره : { فلما قضينا عليه الموت }14 إلى قوله : { إلا فريقا من المومنين }20 .
أي : فلما جاء أجل سليمان فمات ، ما دل الجن على موته إلا دابة الأرض ، وهي الأرضة وقعت في عصاه التي كان متكئا عليها فأكلتها وهي المنسأة .
قال قتادة : أكلت عصاه حتى خر{[55852]} .
وهو قول ابن عباس ومجاهد{[55853]} وغيرهما{[55854]} .
وأصل المنسأة الهمز لأنها مشتقة من نسأت الدابة إذا ضربتها بعصا أو غيرها لتسير{[55855]} .
ولكن نافعا وأبا عمرو أبدلا من الهمزة ألفا لغة مسموعة{[55856]} وليس البدل في نحو هذا بالمطرد إلا في الشعر .
وقد كان أبو عمرو يقول : لست أدري مم هي إلا أنها غير مهموزة{[55857]} . فرأى ترك همزها على طريق الاحتياط مع نقله ذلك عن أئمته أولا وإنما كان ترك الهمزة للاحتياط إذ جهل الاشتقاق لأن كل ما يهمز يجوز ترك همزه وليس كل ما لا يهمز يجوز همزه .
ثم قال : { فلما خر تبينت الجن } أي : فلما سقط سليمان عند انكسار العصا تبينت الجن .
{ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين } أي : علم أن الجن لم تكن تعلم الغيب لأنها لو كانت تعلم الغيب ما بقيت في العمل ، والتعب لسليمان وهو ميت .
قال قتادة : كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون الغيب ، فلما مات سليمان ولم تعلم الجن بموته وبقيت في السخرة بجهد طائعة لميت عاملة له ، فعند ذلك تبينت الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب{[55858]} وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان سليمان نبي الله إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما اسمك ؟ فإن كانت تغرس غرست وإن كانت لدواء فبينما هو يصلي ذات يوم إذا شجرة نابتة بين يديه فقال : ما اسمك ؟ قالت الخروب فقال لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب أهل هذا البيت ، فقال : اللهم عم على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنحتها عصا فتوكأ عليها حولا ، ومات وهو متوكئ وهم لا يعلمون ، فسقطت فعلم أن الجن لا يعلمون الغيب ، فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة فشكرت الجن الأرضة " {[55859]} .
وفي مصحف عبد الله : " تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " {[55860]} .
وأن في قوله : " أن لو كانوا " في موضع رفع على البدل من الجن{[55861]} وقيل : هي في موضع نصب على معنى بأن{[55862]} .
قيل : المعنى : فلما خر تبين أمر الجن ، فأن بدل من الأمر على المعنى{[55863]} .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل : " أن سليمان كان يتجرد{[55864]} في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل وأكثر ، يدخل طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي مات فيها ، فمات متكئا على عصاه لا يعلم أحد بذلك والشياطين يعملون له يخافون أن يخرج فيعاقبهم وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب وكان المحراب له كوى بين يديه ومن خلفه فدخل شيطان من أولئك فمر ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق فمر ولمم يسمع صوت سليمان ثم رجع ولم يسمع ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق ، ونظر إلى سليمان قد سقط ميتا فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات ففتحوا عليه فأخرجوه ووجدوا منسأته وهي العصا بلسان الحبش ، قد أكلتها الأرضة ولم يعلموا منذ كم مات ، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها يوما وليلة ثم حسبوا على ذلك النحو ، فوجدوه قد مات منذ سنة " {[55865]}
وروي أن الجن كانت تظن أن الشياطين كانوا يعلمون الغيب فأحب الله أن يبين لهم الغيب لا يعلمه غيره ، فمات سليمان صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على عصاه والشياطين دائبة في العمل له وفي الطاعة ، فأقام أربعين يوما متكئا على العصا فبعث الله عز وجل الأرضة وهي السوسة فأكلت العصا فانكسرت فخر سليمان ، فلما خر تبينت الجن أن الشياطين لا يعلمون الغيب ، إذ لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا وقت موت سليمان ولم يتمادوا في العمل والسخرة له وهو ميت .
ويروى أن الشياطين قالت للأرضة لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب/ ، ولكننا سننقل إليك الماء والطين فهم ينقلون لها لك حيث كانت ، وذلك هو الطين الذي يكون في جوف الخشب تأتيها به الشياطين شكرا لها{[55866]} .
وذكر ابن وهب عن أبي شهاب : أنه لما توفي داود عليه السلام أقبلت الطير فصفت عليه حتى حبست عن الناس الروح{[55867]} ووجدوا غما شديدا فقالوا لسليمان : يا نبي الله هلكنا الغنم ، وأمر سليمان الطير فقبضت جناحا وأرسلت جناحا فدخل عليهم الروح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.