الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

عياض:... ناظر أبو جعفر -أمير المؤمنين- مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} ومدح قوما فقال: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله}، وذم قوما فقال؛ {إن الذين ينادونك} وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر.

وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم}.

وقال مالك: وقد سئل عن أيوب السختياني: ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه. قال وحج حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرمقه فلما رأيت منه ما رأيت، وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه.

عياض: قال القروي: لما كثر الناس على مالك قيل له: لو جعلت مستمليا يسمع الناس؟ قال: قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} وحرمته حيا وميتا سواء...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهموه بالكلام، وتغلظون له في الخطاب" وَلا تجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ "يقول: ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا: يا محمد، يا محمد، يا نبيّ الله، يا نبي الله، يا رسول الله... عن مجاهد، في قوله: "وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ"، قال لا تنادُوه نداء، ولكن قولاً لينا؛ يا رسول الله...

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا زيد بن حباب، قال: حدثنا أبو ثابت بن ثابت قيس بن الشماس، قال: ثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن شماس، عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية "لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ" قال: قعد ثابت في الطريق يبكي، قال: فمرّ به عاصم بن عديّ من بني العَجلان، فقال: ما يُبكيك يا ثابت؟ قال: لهذه الآية، أتخوّف أن تكون نزلت فيّ، وأنا صيّت رفيع الصوت، قال: فمضى عاصم بن عديّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وغلبه البكاء، قال: فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أُبيّ ابن سلول، فقال لها: إذا دخلتُ بيت فرسي، فشدّي على الضبة بمسمار، فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله، أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأتى عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره، فقال: «اذْهَبْ فادْعُهُ لي» فجاء عاصم إلى المكان، فلم يجده، فجاء إلى أهله، فوجده في بيت الفرس، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك، فقال: اكسر الضّبة، قال: فخرجا فأتيا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يُبْكِيكَ يا ثابِتُ»؟ فقال: أنا صيّت، وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ "لا تَرْفَعوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بالقَولِ" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تَرْضَى أنْ تَعِيشَ حَميدا، وتَقْتَلَ شَهيدا، وَتَدْخُلَ الجَنّةَ»؟ فقال: رضيت ببُشرى الله ورسوله، لا أرفع صوتي أبدا على رسول الله، فأنزل الله "إنّ الّذِينَ يَغُضّونَ أصوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولَئِكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ للتّقْوَى"... الآية...

حدثني عليّ بن سهل، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا نافع بن عمر بن جُميْل الجمحي، قال: ثني أبن أبي مليكة، عن الزبير، قال: «قدم وفد أراه قال تميم، على النبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم الأقرع بن حابس، فكلم أبو بكر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعمله على قومه، قال: فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله، قال: فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك. قال: ونزل القرآن: "يا أيّها الّذِينَ آمَنوا لا تَرْفَعوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ" إلى قوله: "وأَجْرٌ عَظِيمٌ" قال: فما حدّث عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فَيُسْمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: وما ذكر ابن الزبير جدّه، يعني أبا بكر.

وقوله: "أنْ تَحْبَطَ أعمالُكُمْ" يقول: أن لا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها، ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم، وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض.

وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض نحوّيي الكوفة: معناه: لا تحبط أعمالكم... وقال بعض نحويي البصرة: قال: "أن تحبط أعمالكم": أي مخافة أن تحبط أعمالكم...

وقوله: "وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ" يقول: وأنتم لا تعلمون ولا تدورن.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وعندنا لا يحتمل أن يكون ما ذكر من رفع الصوت فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجهر بالقول له وما ذُكر من التقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي أن يكون الخطاب بذلك للذين صحِبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واتّبعوا أمره ونهيه، إذ لا يُحتمل منهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، ويجهروا بالقول، ويقدّموا بين يديه في أمر ولا نهي إلا عن سهو وغفلة أو إذن منه بالمُناظرة والمحاورة في العلم، فعند ذلك ترتفع أصواتهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجلّ في قلوبهم وأعظم قدرا من أن يتجاسروا التقدم بين يديه بأمر أو رفع صوت أو جهر القول له. فتكون الآية في أهل الشرك وفي أهل النفاق، والله أعلم.

ثم إن كان الخطاب بذلك للذين آمنوا فهو على وجهين:

أحدهما: أن ذلك منه ابتداء محنة امتحنهم بذلك، وأمرهم به من غير أن كان منهم شيء من ذلك من التقدم بين يديه ورفع الصوت والجهر له بالقول، ولله أن يمتحن، ويأمُر، وينهى من شاء بما شاء ابتداء امتحان منه لهم، وهو ما ذكرنا من نهي الرسل عليهم السلام عن الشرك والمعاصي، وإن كانوا معصومين عن ذلك، لأن العِصمة لا تمنع النهي، لأن العصمة إنما تكون عصمة إذا كان هناك أمر ونهي. فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر من النهي عن التقدم ورفع الصوت والجهر بالقول، وإن لم يكن منهم شيء مما ذكر ابتداء محنة منه لهم، والله أعلم.

والثاني: أنه خاطب هؤلاء الصحابة عليهم السلام ليتّعظ بذلك من يشهد مجلسه من المنافقين وغيرهم من الكافرين، إذ كان يشهد مجلسه أهل النفاق وسائر الكفرة لئلا يعاملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معاملة بعضهم بعضا، والله أعلم.

وقوله تعالى: {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} ذكر هذا ليكونوا أبدا متيقّظين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرين معظّمين له في كل وقت لئلا يكون منهم في وقت من الأوقات ما يخرج مجرى الاستخفاف به والتعاون على السّهو والغفلة، فيُحبط ذلك أعمالهم. إن هذا الصنيع برسول الله صلى الله عليه وسلم يُكفّر صاحبه، ولا يكون معذورا، وإن فعله على السّهو والغفلة، لأن لهم قدرة الاحتراز وإمكان التحذّر، وإن كانوا معذورين في ما بينهم على غير التّعمّد والقصد، ولا مؤاخذة لهم برفع الله تعالى المؤاخذة عنهم في ما بينهم، ولم يرفع في حق النبي، عليه أفضل الصلوات، مع أن الكل في حد جواز المؤاخذة، والله أعلم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبي} أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحدّ الذي يبلغه بصوت، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عالياً لكلامكم، وجهره باهراً لجهركم؛ حتى تكون مزيته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق غير خاف، لا أن تغمروا صوته بلغطكم وتبهروا منطقه بصخبكم. وبقوله: ولا تجهروا له بالقول: إنكم إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول اللين المقرّب من الهمس الذي يضادّ الجهر، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم،...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والحبط: إفساد العمل بعد تقرره، يقال حبِط بكسر الباء وأحبطه الله، وهذا الحبط إن كانت الآية معرضة بمن يفعل ذلك استخفافاً واستحقاراً وجرأة فذلك كفر. والحبط معه على حقيقته، وإن كان التعريض للمؤمن الفاضل الذي يفعل ذلك غفلة وجرياً على طبعه، فإنما يحبط عمله البر في توقير النبي صلى الله عليه وسلم وغض الصوت عنده أن لو فعل ذلك...

وظاهر الآية أنها مخاطبة لفضلاء المؤمنين الذين لا يفعلون ذلك احتقاراً، وذلك أنه لا يقال لمنافق يعمل ذلك جرأة وأنت لا تشعر، لأنه ليس له عمل يعتقده هو عملاً...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلَكَا: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ نَافِعٌ عَنْهُ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْت إلَّا خِلَافِي. قَالَ: مَا أَرَدْت ذَلِكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الْآيَةَ...

المسألة الثَّانِيَةُ: حُرْمَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا، وَكَلَامُهُ الْمَأْثُورُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الرِّفْعَةِ مِثْلُ كَلَامِهِ الْمَسْمُوعِ من لَفْظِهِ؛ فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَلَّا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرِضَ عَنْهُ، كَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى دَوَامِ الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مُرُورِ الْأَزْمِنَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}. وَكَلَامُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الْوَحْيِ وَلَهُ من الْحُرْمَةِ مِثْلُ مَا لِلْقُرْآنِ إلَّا مَعَانِي مُسْتَثْنَاةٌ، بَيَانُهَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لا ترفعوا أصواتكم} أي في شيء من الأشياء {فوق صوت النبي} أي الذي يتلقى عن الله، وتلقيه عنه متوقع في كل وقت، وهذا يدل على أن أذى العلماء الذين هيأهم الله لتلقي فهم دينه عنه شديد جداً، فإن تكدير أوقاتهم يمنعهم عن كثير من ذلك. ولما بين ما في ذلك لأجل النبوة، بين ما ينبغي في نفسه من المزية فقال: {ولا تجهروا له بالقول} أي إذا كلمتموه سواء كان ذلك بمثل صوته أو أخفض من صوته، فإن ذلك غير مناسب لما يهاب به العظماء، ويوقر الكبراء. ولما شمل هذا كل جهر مخصوص، وهو ما يكون مسقطاً للمزية، قال: {كجهر بعضكم لبعض} أي فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم يظهر فرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره...

{أن} أي النهي لأجل خشية- أن {تحبط} أي تفسد فتسقط {أعمالكم} أي التي هي- الأعمال بالحقيقة وهي الحسنات كلها {وأنتم لا تشعرون} أي بأنها حبطت، فإن ذلك إذا اجترأ الإنسان عليه استخف به وإذا استخف به واظب عليه، وإذا واظب عليه أوشك أن يستخف بالمخاطب فيكفر وهو لا يشعر.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

والحاصل أن النهي هنا وقع عن أمور؛

الأوّل: عن التقدّم بين يديه بما لا يأذن به من الكلام.

والثاني: عن رفع الصوت البالغ إلى حدّ يكون فوق صوته سواء كان في خطابه، أو في خطاب غيره.

والثالث: ترك الجفاء في مخاطبته، ولزوم الأدب في مجاورته، لأن المقاولة المجهورة إنما تكون بين الأكفاء الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب احترامه وتوقيره...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وظاهر الآية التحذير من حبط جميع الأعمال لأن الجمع المضاف من صيغ العموم ولا يكون حبط جميع الأعمال إلا في حالة الكفر لأن الأعمال الإيمان فمعنى الآية: أن عدم الاحتراز من سوء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا النهي قد يفضي بفاعله إلى إثم عظيم يأتي على عظيم من صالحاته أو يفضي به إلى الكفر... وأقول: لأن عدم الانتهاء عن سوء الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم يعود النفس بالاسترسال فيه فلا تزال تزداد منه وينقص توفير الرسول صلى الله عليه وسلم من النفس وتتولى من سيئ إلى أشد منه حتى يؤول إلى عدم الاكتراث بالتأدب معه وذلك كفر. وهذا معنى {وأنتم لا تشعرون} لأن المنتقل من سيّئ إلى أسوأ لا يشعر بأنه آخذ في التملّي من السوء بحكم التعوّد بالشيء قليلاً قليلاً حتى تغمره المعاصي وربّما كان آخرها الكفر حين تضْرَى النفس بالإقدام على ذلك...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وحذر كتاب الله من عاقبة سوء الأدب مع الرسول ورفع الصوت عليه، فقد ينتهي ذلك بما لا تحمد عقباه، ويؤدي إلى إحباط عمل المؤمن وخسرانه، وذلك قوله تعالى: {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}، أي إنما نهيناكم عن ذلك خشية أن يحبط عملكم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهذا لونٌ من ألوان الأدب الإسلامي في مخاطبة المسلمين للنبي، تقضي بمراعاة الإخفات في الكلام، أو الهدوء في الخطاب، بحيث تكون أصوات المسلمين أخفض من صوته، لتتميَّز طريقتهم في الحديث معه عن طريقتهم في الحديث العادي مع بعضهم البعض...

{أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} أي حذراً من أن تحبط أعمالكم إذا أسأتم احترام النبيّ، مما قد يؤدّي إلى الاستهانة به وبأمره ونهيه...

.