المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (102)

102- وإن باب النار مفتوح إذا لم تتقوا الله ، فيا أيها الذين آمنوا خافوا الله الخوف الواجب بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات ، ودوموا على الإسلام حتى تلقوا الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (102)

انتقل مِن تحذير المخاطبين من الانخداع لوساوس بعض أهل الكتاب ، إلى تحريضهم على تمام التَّقوى ، لأنّ في ذلك زيادة صلاح لهم ورسوخاً لإيمانهم ، وهو خطاب لأصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم ويَسري إلى جميع من يكون بعدهم .

وهذه الآية أصل عظيم من أصول الأخلاق الإسلامية . والتَّقوى تقدّم تفسيرها عند قوله تعالى : { هدى للمتقين } . وحاصلها امتثال الأمر ، واجتناب المنهي عنه ، في الأعمال الظَّاهرة ، والنَّوايا الباطنة . وحقّ التقوى هو أن لا يكون فيها تقصير ، وتظاهر بما ليس من عمله ، وذلك هو معنى قوله تعالى : { فاتَّقوا الله ما استطعتم } [ التغابن : 16 ] لأنّ الاستطاعة هي القدرة ، والتَّقوى مقدورة للنَّاس . وبذلك لم يكن تعارض بين الآيتين ، ولا نسخ ، وقيل : هاته منسوخة بقوله تعالى : { فاتقوا اللَّه ما استطعتم } لأنّ هاته دلّت على تقوى كاملة كما فسَّرها ابن مسعود : أن يطاع فلا يعصى ، ويُشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا يُنْسى ، ورووا أنّ هذه الآية لمَّا نزلت قالوا : « يا رسول الله من يَقوىَ لهذا » فنزلت قوله تعالى : { فاتَّقوا الله ما استطعتم } فنسَخَ هذه بناء على أنّ الأمر في الآيتين للوجوب ، وعلى اختلاف المراد من التقويين . والحقّ أنّ هذا بيان لا نسخ ، كما حقَّقه المحقِّقون ، ولكن شاع عند المتقدّمين إطلاق النَّسخ على ما يشمل البيان .

والتُّقاة اسمُ مصدر . اتَّقى وأصله وُقَيَة ثمّ وُقَاة ثُمّ أبدلت الواو تاء تبعاً لإبدالها في الافتعال إبدالاً قصدوا منه الإدغام . كما تقدّم في قوله تعالى : { إلا أن تتقوا منهم تقاة } [ آل عمران : 28 ] .

وقوله : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون نهي عن أن يموتوا على حالة في الدِّين إلاّ على حالة الإسلام فمحطّ النَّهي هو القيد : أعني المستثنى منه المحذوفَ والمستثنى وهو جملة الحال ، لأنَّها استثناء من أحوال ، وهذا المركّب مستعمل في غير معناه لأنَّه مستعمل في النَّهي عن مفارقة الدّين بالإسلام مدّة الحياة ، وهو مجاز تمثيلي علاقته اللزوم ، لما شاع بين النَّاس من أنّ ساعة الموت أمر غير معلوم كما قال الصدّيق :

كُلّ امرىءٍ مصبَّح في أهلِهِ *** والموتُ أدنى من شراك نَعْلِه

فالنهي عن الموت على غير الإسلام يستلزم النَّهي عن مفارقة الإسلام في سائر أحيان الحياة ، ولو كان المراد به معناه الأصلي ، لكان ترخيصاً في مفارقة الإسلام إلاّ عند حضور الموت ، وهو معنى فاسد وقد تقدّم ذلك في قوله تعالى : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } .