96- واستمر على أمله منتظرا رحمة اللَّه ، واستمر أهله على سوء الظن به إلى أن أتاه منْ يحمل القميص ويبشره بسلامة يوسف ، فحين طرح القميص على وجه يعقوب نفحته رائحة يوسف وغمرت قلبه الفرحة ، فعاد إليه بصره ، ولما حدثه الرسول بحال يوسف ، وأنه يطلب رحلته إليه بأهله ، اتجه إلى من حوله يذكرهم بنبوءته ، ويُعاتبهم على تكذيبه ، ويوجه أذهانهم إلى ذكر ما أكده لهم آنفا من أنه يدرك من رحمة اللَّه وفضله ما لا يُدْرِكون .
فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( 96 ) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ( 97 ) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 98 ) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ ( 99 )
روي عن ابن عباس : أن { البشير } كان يهوذا لأنه كان جاء بقميص الدم .
قال القاضي أبو محمد : حدثني أبي رضي الله عنه قال : سمعت الواعظ أبا الفضل بن الجوهري على المنبر بمصر يقول : إن يوسف عليه السلام لما قال : { اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي } [ يوسف : 93 ] قال يهوذا لإخوته : قد علمتم أني ذهبت إليه بقميص الَّترحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة ؛ فتركوه وذلك . وقال هذا المعنى السدي . و { ارتد } معناه : رجع هو ، يقال : ارتد الرجل ورده غيره ، و { بصيرا } معناه : مبصراً ، ثم وقفهم على قوله : { إني أعلم من الله ما لا تعلمون } وهذا - والله أعلم - هو انتظاره لتأويل الرؤيا - ويحتمل أن يشير إلى حسن ظنه بالله تعالى فقط .
وروي : أنه قال للبشير : على أي دين تركت يوسف ؟ قال : على الإسلام قال : الحمد لله ، الآن كملت النعمة .
وفي مصحف ابن مسعود : «فلما أن جاء البشير من بين يدي العير » ، وحكى الطبري عن بعض النحويين أنه قال : { أن } في قوله : { فلما أن جاء البشير } زائدة ، والعرب تزيدها أحياناً في الكلام بعد لما وبعد حتى فقط ، تقول : لما جئت كان كذا ، ولما أن جئت ، وكذلك تقول : ما قام زيد حتى قمت ، وحتى أن قمت .
{ فلما أن جاءه البشير ألقاه على وجهه فارتد بصسرا } .
{ أن } في قوله : { فلما أن جاء البشير } مزيدة للتأكيد . ووقوع { أنْ } بعد { لمّا } التوقيتية كثير في الكلام كما في « مغني اللّبيب » .
وفائدة التأكيد في هذه الآية تحقيق هذه الكرامة الحاصلة ليعقوب عليه السلام لأنها خارق عادة ، ولذلك لم يؤت ب { أن } في نظائر هذه الآية مما لم يكن فيه داع للتأكيد .
والبشير : فعيل بمعنى مُفعل ، أي المُبشر ، مثل السميع في قول عمرو بن معديكرب :
والتبشير : المبادرة بإبلاغ الخبر المسرّ بقصد إدخال السرور . وتقدم عند قوله تعالى : { يبشرّهم ربهم برحمة منه } في سورة براءة ( 21 ) . وهذا البشير هو يهوذا بن يعقوب عليه السلام تقدم بين يدي العِير ليكون أول من يخبر أباه بخبر يوسف عليه السلام .
وارتد : رجع ، وهو افتعال مطاوع ردّه ، أي رد الله إليه قوة بصره كرامة له وليوسف عليهما السلام وخارق للعادة . وقد أشرت إلى ذلك عند قوله تعالى : { وابيضّت عيناه من الحزن } [ سورة يوسف : 84 ] .
{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إنى أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
جواب للبشارة لأنها تضمنت القول ، ولذلك جاء فعل { قال } مفصولاً غير معطوف لأنه على طريقة المحاورات ، وكان بقية أبنائه قد دخلوا فخاطبهم بقوله : { ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون } فبيّن لهم مجمل كلامه الذي أجابهم به حين قالوا : { تالله تفتأ تذكر يوسف } [ يوسف : 85 ] الخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.