المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

100- قل لهؤلاء المشركين : لو كنتم تملكون خزائن رزق ربى لبخلتم خشية الفقر ، لأن الإنسان مطبوع على شدة الحرص والبخل ، والله هو الغنى الجواد ، يمنح ما شاء لمن يشاء ، وينزل من المعجزات ما شاء لا ما شاء الناس ، وهو في ذلك كله حكيم عليم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

وقوله تعالى : { قل لو أنتم تملكون } الآية حكم لو أن يليها الفعل إما مظهراً وإما مضمراً يفسره الظاهر بعد ذلك ، فالتقدير هنا ، قل لو تملكون خزائن ، ف { أنتم } رفع على تبع الضمير{[7717]} ، و «الرحمة » في هذه الآية المال والنعم التي تصرف في الأرزاق ، ومن هذا سميت { رحمة } ، و { الإنفاق } المعروف ذهاب المال وهو مؤد إلى الفقر ، فكأن المعنى خشية عاقبة الإنفاق ، وقال بعض اللغويين أنفق الرجل معناه افتقر كما تقول أترب وأقتر ، وقوله { وكان الإنسان فتوراً } أي ممسكاً ، يريد أن في طبعه ومنتهى نظره أن الأشياء تتناهى وتفنى ، فهو لو ملك خزائن رحمة الله لأمسك خشية الفقر ، وكذلك يظن أن قدرة الله تعالى تقف دون البعث ، والأمر ليس كذلك ، بل قدرته لا تتناهى ، فهو مخترع من الخلق ما يشاء ، ويخترع من الرحمة الأرزاق ، فلا يخاف نفاد خزائن رحمته ، وبهذا النظر تتلبس هذه الآية بما قبلها ، والله ولي التوفيق برحمته ، ومن الإقتار قول أبي داود : [ الخفيف ]

لا أعد الإقتار عدماً ولكن . . . فقد من قد رزئته الإعدام{[7718]}


[7717]:يتفق ابن عطية في هذا مع الزمخشري، وأبي البقاء، والحوفي. لكن هذا يخالف مذهب البصريين، قال ابن عصفور: "لا يلي (لو) إلا الفعل ظاهرا، ولا بليها مضمرا إلا ضرورة أو نادر كلام، مثل ما جاء في المثل من قولهم: (لو ذات سوار لطمتني). وقال ابن الصائغ: "البصريون يصرحون بامتناع (لو زيد قام لأكرمته) على الفصيح، ويجيزونه شاذا، كقولهم: (لو ذات سوار لطمتني)، وهو عندهم على فعل مضمر، وهو من باب الاشتغال، كقوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره}. وخرجه أبو الحسن علي بن فضال المجاشعي على إضمار (كان)، والتقدير: "قل لو كنتم أنتم تملكون"، على خلاف في حذف (كان) وحدها، أو حذفها مع الضمير (كنتم). ويميل أبو حيان إلى حذف (كان) وانفصال الضمير المرفوع، وقال: إن حذف (كان) بعد (لو) معهود في لسان العرب.
[7718]:أبو دواد (بواو غير مهموزة، بعدها ألف ، وقد همزت في كثير من الكتب مثل الشعر والشعراء). واسمه جارية بن الحجاج، وقيل: حنظلة بن الشرفي، والأول أصح. والبيت من قصيدة مشهورة، هي الأصمعية (65) ، ومنها مختارات في الشعر والشعراء، والإقتار: قلة المال وضيق العيش، وهو الشاهد هنا، والعدم والإعدام: الفقر.يقول: لا أعتبر قلة المال فقرا، إنما الفقر الحقيقي هو فقد الكرام من الرجال. قيل للحطيئة: من أشعر الناس؟ قال الذي يقول: (لا أعد الإقتار عدما .... البيت). ثم يصف الشاعر هؤلاء الرجال بالشجاعة والسماحة ورجاحة العقول، إلى أن يقول: فعلى إثرهم تساقط نفســــــي حسرات وذكرهم لي سقــــــام
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

اعتراض ناشىء عن بعض مقترحاتهم التي توهموا عدم حصولها دليلاً على انتفاء إرسال بَشيرٍ ، فالكلام استئناف لتكملة رد شبهاتهم . وهذا رد لما تضمنه قولهم : { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } إلى قوله : { تفجيراً } [ الإسراء : 90 - 91 ] ، وقولهم : { أو يكون لك بيت من زخرف } [ الإسراء : 93 ] من تعذر حصول ذلك لعظيم قيمته .

ومعنى الرد : أن هذا ليس بعظيم في جانب خزائن رحمة الله لو شاء أن يظهره لكم .

وأدمج في هذا الرد بيانُ ما فيهم من البخل عن الإنفاق في سبيل الخير . وأدمج في ذلك أيضاً تذكيرهم بأن الله أعطاهم من خزائن رحمته فكفروا نعمته وشكروا الأصنام التي لا نعمة لها . ويصلح لأن يكون هذا خطاباً للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم كل على قدر نصيبه .

وشأن ( لو ) أن يليها الفعل ماضياً في الأكثر أو مضارعاً في اعتبارات ، فهي مختصة بالدخول على الأفعال ، فإذا أوقعوا الاسم بعدها في الكلام وأخروا الفعل عنه فإنما يفعلون ذلك لقصدٍ بليغ : إما لقصد التقوي والتأكيد للإشعار بأن ذكر الفعل بعد الأداة ثم ذكر فاعله ثم ذكر الفعل مرةً ثانية تأكيدٌ وتقويةٌ ؛ مثل قوله : { وإن أحد من المشركين استجارك } [ التوبة : 6 ] وإما للانتقال من التقوي إلى الاختصاص ، بناءً على أنه ما قدم الفاعل من مكانه إلا لمقصد طريققٍ غير مطروق . وهذا الاعتبار هو الذي يتعين التخريج عليه في هذه الآية ونحوها من الكلام البليغ ، ومنه قول عُمر لأبي عبيدة لَوْ غيرُك قالها .

والمعنى : لو أنتم اختصصتم بملك خزائن رحمة الله دون الله لَما أنفقتم على الفقراء شيئاً . وذلك أشد في التقريع وفي الامتنان بتخييل أن إنعام غيره كالعدم .

وكلا الاعتبارين لا يُنَاكد اختصاص ( لو ) بالأفعال للاكتفاء بوقوع الفعل في حَيزها غيرَ مُوال إياها وموالاته إياها أمر أغلبي ، ولكن لا يجوز أن يقال : لو أنت عالم لبذذت الأقران .

واختير الفعل المضارع لأن المقصود فرض أن يملكوا ذلك في المستقبل .

و{ أمسكتم } هُنا منزل منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول ، لأن المقصود : إذن لاتصفتم بالإمساك ، أي البخل . يقال : فلان مُمسك ، أي بخيل . ولا يراد أنه ممسك شيئاً معيناً .

وأكد جواب ( لو ) بزيادة حرف ( إذن ) فيه لتقوية معنى الجوابية ، ولأن في ( إذن ) معنى الجزاء كما تقدم آنفاً عند قوله : { قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } [ الإسراء : 42 ] . ومنه قول بشر بن عَوانة :

أفاطم لو شهدت ببطن خَبْتٍ *** وقد لاقَى الهزبرُ أخاككِ بِشرَا

إذن لرأيتتِ لَيْثا أمَّ لَيثـــا *** هِزَبْرا أغلباً لاقَى هِزبــرا

وجملة { وكان الإنسان قتوراً } حالية أو اعتراضية في آخر الكلام ، وهي تفيد تذييلاً لأنها عامةُ الحكم . فالواو فيها ليست عاطفة .

والقتور : الشديد البخل ، مشتق من القتر وهو التضييق في الإنفاق .