المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ} (22)

22- وما كان باستطاعتكم أن تخفوا أعمالكم القبيحة عن جوارحكم مخافة أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم ، ولكن كنتم تظنون أن الله لا يعلم كثيراً من أعمالكم ، بسبب إتيانها في الخفاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ} (22)

قوله عز وجل : { وما كنتم تستترون } يحتمل أن يكون من كلام الجلود ومحاورتها ، ويحتمل أن يكون من كلام الله عز وجل لهم ، أو من كلام ملك يأمره تعالى . وأما المعنى فيحتمل وجهين أحدهما أن يريد : وما كنتم تتصاونون وتحجزون أنفسكم عن المعاصي والكفر خوف أن يشهد ، أو لأجل أن يشهد ، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم فانهمكتم وجاهرتم ، وهذا هو منحى مجاهد . والستر قد يتصرف على هذا المعنى ونحوه ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

والستر دون الفاحشات وما . . . يلقاك دون الخير من ستر{[10061]}

والمعنى الثاني أن يريد : وما كنتم تمتنعون ولا يمكنكم ولا يسعكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها بكفركم ومعاصيكم ، ولا تظنون أنها تصل بكم إلى هذا الحد ، وهذا هو منحى السدي ، كأن المعنى : وما كنتم تدفعون بالاختفاء والستر أن يشهد ، لأن الجوارح لزيمة لكم ، وفي إلزامه إياهم الظن بأن الله تعالى لا يعلم ، هو إلزامهم الكفر والجهل بالله ، وهذا المعتقد يؤدي بصاحبه إلى تكذيب أمر الرسل واحتقار قدرة الإله ، لا رب غيره .

وفي مصحف ابن مسعود : «ولكن زعمتم أن الله » . وحكى الطبري عن قتادة أنه عبر عن { تستترون } ب «تبطنون » ، وذلك تفسير لم ينظر فيه إلى اللفظ ولا ارتباط فيه معه . وذكر الطبري وغيره حديثاً عن عبد الله بن مسعود قال : إني لمستتر بأستار الكعبة إذ دخل ثلاثة نفر قرشيان وثقفي ، أو ثقفيان وقرشي ، قليل فقه قلوبهم ، كثير شحم بطونهم ، فتحدثوا بحديث ، فقال أحدهم : أترى الله يسمع ما قلنا ؟ قال الآخر إنه يسمع إذا رفعنا ، ولا يسمع إذا أخفينا . وقال الآخر : إن كان يسمع منه شيئاً فإنه يسمعه كله ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك ، فنزلت هذه الآية : { وما كنتم تستترون } الآية ، فقرأ حتى بلغ : { وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين } [ فصلت : 28 ] . وذكر النقاش أن الثلاثة : صفوان بن أمية وفرقد بن ثمامة وأبو فاطمة . وذكر الثعلبي أن الثقفي عبد ياليل ، والقرشيين : ختناه :ربيعة وصفوان ابنا أمية بن خلف{[10062]} ، ويشبه أن يكون هذا بعد فتح مكة فالآية مدنية{[10063]} ، ويشبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ الآية متمثلاً بها عند إخبار عبد الله إياه ، والله أعلم .


[10061]:يستشهد ابن عطية بهذا البيت على أن معنى التستر هو عدم التصون والتحرز من المعاصي خيفة أن يشهد أو لأجل أن يشهد عليهم، وفي اللسان أن الستر: الإخفاء، والستر بالفتح مصدر سترت الشيء أستره إذا غطيته، فاستتر هو: وتستر هو: تغطى، والستر بالكسر: ما ستر به. والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، أو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي.
[10062]:أخرجه سعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن مسعود رضي الله عنه. وذكره الواحدي في أسباب النزول، وقال: إن البخاري رواه عن طريق الحميدي، وإن مسلم رواه عن أبي عمر، وكلاهما عن سفيان، عن منصور.
[10063]:سبق أن ذكر هو وكل المفسرين أن هذه السورة مكية بإجماع، ولم يستثن أحد منها أية آية، فتأمل، ولهل ما ذكره بعد من تمثل الرسول صلى الله عليه وسلم بالآية هو الأشبه.