وقوله تعالى : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبصاركم وَلاَ جُلُودُكُمْ } حكاية لما سيقال لهم يومئذٍ من جهته تعالى بطريق التوبيخ والتقريع تقريراً لجواب الجلود ، واستظهر أبو حيان أنه من كلام الجوارح و { أَن يَشْهَدَ } مفعول له بتقدير مضاف أي ما كنتم تستترون في الدنيا عند مباشرتكم الفواحش مخافة أو كراهة أن تشهد عليكم جوارحكم بذلك أي ليس استتاركم للخوف مما ذكر أو لكراهته { ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ } أي ولكن لأجل ظنكم أن الله تعالى لا يعلم كثيراً مما تعملون وهو ما عملتم خفية فلا يظهره سبحانه يوم القيامة وينطق الجوارح به فلذا سعيتم في الاستتار عن الخلق دون الخالق عز وجل أو هو بتقدير حرف جر متعلق بتستترون فقيل : هو الباء والمستتر عنه الجوارح ، والمعنى ما استترتم عنها بملابسة أن تشهد عليكم أي تتحمل الشهادة إذ ما ظننتم أنها تشهد عليكم بل ظننتم أن الله سبحانه لا يعلم فلذا لم يكن استتاركم بهذا السبب ، وقيل : هو عن والمعنى لم يمكنكم الاستتار عن الجوارح لئلا تتحمل الشهادة عليكم حين ترتكبون ما ترتكبون لكن ظننتم ما ظننتم .
وقيل : { أَن تَشْهَدَ } مفعول له والمستتر عنه الجوارح أي ما تستترون عن جوارحكم مخافة أن تشهد عليكم لكن ظننتم الخ ، وقيل : إن { تَسْتَتِرُونَ } ضمن معنى الظن فعدى تعديته أي ما كنتم تستترون ظانين شهادة الجوارح عليكم ، ويؤيده قول قتادة : أي ما كنتم تظنون أن تشهد عليكم الخ ، والحق أن هذا بيان لحاصل المعنى .
أخرج أحمد . والبخاري . ومسلم . والترمذي . والنسائي . وجماعة عن ابن مسعود قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وثقفيان أو ثقفي وقرشيان كثير لحم بطونهم قليل عفة قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه فقال أحدهم : أترون الله يسمع كلامنا هذا ؟ فقال الآخر : إنا إذا رفعنا أصواتنا يسمعه وإذا لم نرفع لم يسمع فقال الآخر : إن سمع منه شيئاً سمعه كله قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبصاركم -إلى قَوْلهُ سبحانه- مّنَ الخاسرين } [ فصلت : 23 ] فالحكم المحكي حينئذٍ يكون خاصاً بمن كان على ذلك الاعتقاد من الكفر لكنه قيل في الفكرة . وفي «الإرشاد » لعل الأنسب أن يراد بالظن معنى مجازي يعم معناه الحقيقي وما يجري مجراه من الأعمال المنبئة عنه كما في قوله تعالى : { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } [ الهمزة : 3 ] ليعم ما حكى من الحال جميع أصناف الكفرة فتدبر . وفي الآية تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن لا يمر عليه حال إلا بملاحظة أن عليه رقيباً كما قال أبو نواس :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.