فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ} (22)

{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبصاركم وَلاَ جُلُودُكُمْ } هذا تقريع لهم ، وتوبيخ من جهة الله سبحانه ، أو من كلام الجلود ، أي ما كنتم تستخفون عند الأعمال القبيحة حذراً من شهادة الجوارح عليكم ، ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفي من جوارحه عند مباشرة المعصية كان معنى الاستخفاء هنا : ترك المعصية . وقيل : معنى الاستتار : الاتقاء ، أي ما كنتم تتقون في الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة ، فتتركوا المعاصي خوفاً من هذه الشهادة و{ أن } في قوله : { أَن تَشْهَدَ } في محل نصب على العلة ، أي لأجل أن تشهد ، أو مخافة أن تشهد . وقيل : منصوبة بنزع الخافض ، وهو : الباء أو عن أو من . وقيل : إن الاستتار مضمن معنى الظنّ ، أي وما كنتم تظنون أن تشهد ، وهو بعيد { ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْلَمُونَ } من المعاصي ، فاجترأتم على فعلها . قيل : كان الكفار يقولون : إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ، ولكن يعلم ما نظهر دون ما نسرّ . قال قتادة : الظنّ هنا بمعنى : العلم وقيل : أريد بالظنّ معنى مجازي يعمّ معناه الحقيقي ، وما هو فوقه من العلم .

/خ24