قوله تعالى : { اسلك } أدخل { يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء } برص ، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس ، { واضمم إليك جناحك من الرهب } قرأ أهل الكوفة ، والشام : بضم الراء وسكون الهاء ، ويفتح حفص الراء ، وقرأ الآخرون بفتحهما ، وكلها لغات بمعنى الخوف . ومعنى الآية : إذا هلك أمر يدك وما ترى من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى . والجناح : اليد كلها . وقيل : هو العضد . وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم : أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية ، وقال : ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه . قال مجاهد : كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع . وقيل : المراد من ضم الجناح : السكون ، يعني : سكن روعك واخفض عليك جأشك ، لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه ، ومثله قوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } يريد الرفق ، وقوله : { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } أي : ارفق بهم وألن جانبك لهم . وقال الفراء : أراد بالجناح العصا ، معناه : وقيل اضمم إليك عصاك . وقيل : الرهب الكم بلغة حمير ، قال الأصمعي : سمعت بعض الأعراب يقول : أعطني ما في رهبك ، أي : في كمك ، معناه : اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم ، لأنه تناول العصا ويده في كمه . { فذانك } يعني : العصا ، واليد البيضاء ، { برهانان } آيتان . { من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوماً فاسقين* }
{ أسلك يدك في جيبك } أدخلها . { تخرج بيضاء من غير سوء } عيب . { واضمم إليك جناحك } يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس ، أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ، ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه . { من الرهب } من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر بضم الراء وسكون الهاء ، وقرئ بضمهما ، وقرأ حفص بالفتح والسكون والكل لغات . { فذانك } إشارة إلى العصا واليد ، وشدده ابن كثير وأبو عمرو ورويس . { برهانان } حجتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ، ويقال برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء وقيل فعلال لقولهم برهن . { من ربك } مرسلا بهما . { إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين } فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم .
ثم أمره أن يدخل يده في جيبه وهو فتح الجبة من حيث يخرج رأس الإنسان ، وروي أن كم الجبة كان في غاية الضيق فلم يكن له جيب تدخل يده إلا في جيبه ، و «سلك » معناه أدخل ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]
حتى سلكن الشوا منهن في مسك . . . من نسل جوابة الآفاق مهداج{[9146]}
وقوله تعالى : { من غير سوء } أي من غير برص ولا مثلة .
وروي أن يده كانت تضيء كأنها قطعة شمس ، وقوله تعالى : { واضمم إليك جناحك من الرهب } ذهب مجاهد وابن زيد إلى أن ذلك حقيقة ، أمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه ، ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في أوقات فزعه أن يقوى قلبه ، وذهبت فرقة إلى أن ذلك على المجاز والاستعارة وأنه أمره بالعزم على ما أمر به وأنه كما تقول العرب اشدد حيازيمك واربط جأشك ، أي شمر في أمرك ودع الرهب ، وذلك لما كثر تخوفه في غير ما موطن قاله أبو علي ، وقوله تعالى { فذانك برهانان } قال مجاهد والسدي : هي إشارة إلى العصا واليد ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والناس «الرَّهَب » بفتح الراء والهاء ، وقرأ عاصم وقتادة «الرهْب » بسكون الهاء ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم أيضاً «الرُّهْب » بضم الراء وسكون الهاء ، وقرأ الجحدري «الرُّهُب » بضم الراء والهاء ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فذانّك » بشد النون ، وقرأ الباقون «فذانك » بتخفيف النون ، وقرأ شبل عن ابن كثير «فذانيك » بياء بعد النون المخففة ، أبدل إحدى النونين ياء كراهة التضعيف ، وقرأ ابن مسعود «فذانيك » بالياء أيضاً مع شد النون وهي لغة هذيل ، وحكى المهدوي أن لغتهم تخفيف النون ، و { برهانان } ، حجتان ومعجزتان ، وباقي الآية بين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.