فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (32)

{ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( 32 ) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ( 33 ) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ( 34 ) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ( 35 ) فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ( 36 ) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 37 ) }

{ اسلك يدك في جيبك } والسلك بالفتح ، والسلوك كل منهما مصدر لسلك الشيء في الشيء أنفذه فيه ، فإنه من باب قعد ونصر { تخرج بيضاء من غير سوء } فأدخلها فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس من غير برص .

{ واضمم إليك جناحك } جناح الإنسان عضده ، ويقال لليد كلها جناح أي : اضمم إليك يديك المبسوطتين لتتقي بهما الحية ، كالخائف الفزع ، وقد عبر هذا المعنى بثلاث عبارات :

الأولى : أسلك يدك في جيبك .

والثانية : واضمم إليك جناحك .

والثالثة : وأدخل يدك في جيبك .

قال الزمخشري : جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموما ، وفي الآخر مضموما إليه ، فالمراد بالجناح المضموم اليد اليمنى ، وبالجناح المضموم إليه اليد اليسرى وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما جناح ، ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعبانا ، وقيل : كل خائف بعد موسى إذا وضع يده على صدره زال خوفه . قال الفراء : أراد بالجناح عصاه .

{ من الرهب } أي من أجل الخوف ، قرئ بفتح الراء والهاء وبإسكان الهاء ، وبضم الراء ، و إسكان الهاء ؛ وقال بعض أهل المعاني : الرهب الكم بلغة حمير وبني حنيفة ، وقال الأصمعي : سمعت أعرابيا يقول لآخر : أعطني ما في رهبك ؛ فسألته عن الرهب ؛ فقال : الكم ، فعلى هذا يكون معناها اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم .

{ فذانك } إشارة إلى العصا واليد ، قرئ بتخفيف النون ، قيل : والتشديد لغة قريش ، وقرئ بياء تحتية بعد نون مكسورة ؛ وهي لغة هذيل ، وقيل لغة تميم { برهانان } أي حجتان نيرتان ، ودليلان واضحان ؛ وآيتان بينتان ، وسميت الحجة برهانا لإنارتها من قولهم للمرأة البيضاء : برهونة .

{ ومن ربك } أي : كائنان منه تعالى ، مرسلان أو واصلان .

{ إلى فرعون وملئه ، إنهم كانوا قوما فاسقين } متجاوزين الحد في الظلم ، خارجين عن الطاعة أبلغ خروج ، والجملة تعليل لما قبلها ، ولما سمع موسى قول الله سبحانه هذا طلب منه سبحانه أن يقوي قلبه ، و