مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (32)

{ اسلك } أدخل { يَدَكَ فِى جَيْبِكَ } جيب قميصك { تَخْرُجْ بَيْضَاء } لها شعاع كشعاع الشمس { مِنْ غَيْرِ سُوء } برص .

{ واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب } حجازي بفتحتين وبصري . { الرَّهب } حفص { الرُّهب } غيرهم ومعنى الكل الخوف والمعنى : واضمم يدك إلى صدرك يذهب ما بك من فرق أي لأجل الحية . عن ابن عباس رضي الله عنهما : كل خائف إذا وضع يده على صدره زال خوفه . وقيل : معنى ضم الجناح أن الله تعالى لما قلب العصا حية فزع موسى واتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له : إن اتقاءك بيدك غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما هو غضاضة عليك وإظهار معجزة أخرى . والمراد بالجناح اليد لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر ، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه ، أو أريد بضم جناحه إليه تجلده وضبطه نفسه عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب ، استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران . ومعنى { من الرهب } من أجل الرهب أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك ، جعل الرهب الذي كان يصيبه سبباً وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه . ومعنى { واضمم إليك جناحك } و { اسلك يدك في جيبك } على أحد التفسيرين واحد ولكن خولف بين العبارتين لاختلاف الغرضين إذ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء ، وفي الثاني إخفاء الرهب . ومعنى { واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ } [ طه : 22 ] في «طه » أدخل يمناك تحت يسراك { فَذَانِكَ } مخففاً مثنى «ذاك » ومشدداً : مكي وأبو عمرو مثنى ذلك فإحدى النونين عوض من اللام المحذوفة والمراد اليد والعصا { برهانان } حجتان نيرتان بينتان وسميت الحجة برهاناً لإنارتها من قولهم للمرأة البيضاء برهرهة { مِن رَّبّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإيهِ } أي أرسلناك إلى فرعون وملئه بهاتين الآيتين { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين } كافرين .