فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (32)

قد تقدّم تفسير جميع ما ذكر هنا مستوفى فلا نعيده . وكذلك قوله : { اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } جناح الإنسان : عضده ، ويقال لليد كلها جناح : أي اضمم إليك يديك المبسوطتين ؛ لتتقي بهما الحية كالخائف الفزع ، وقد عبر عن هذا المعنى بثلاث عبارات : الأولى { اسلك يدك في جيبك } .

والثانية : { واضمم إليك جناحك } . والثالثة : { وأدخل يدك في جيبك } . ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعباناً . ومعنى { مِنَ الرهب } من أجل الرهب ، وهو الخوف . قرأ الجمهور { الرهب } بفتح الراء والهاء ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم وقرأ حفص والسلمي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بفتح الراء وإسكان الهاء . وقرأ ابن عامر والكوفيون إلاّ حفصاً بضم الراء وإسكان الهاء . وقال الفراء : أراد بالجناح : عصاه ، وقال بعض أهل المعاني : الرهب : الكمّ بلغة حمير وبني حنيفة . قال الأصمعي : سمعت أعرابياً يقول لآخر : أعطني ما في رهبك ، فسألته عن الرهب ، فقال : الكم . فعلى هذا يكون معناه : اضمم إليك يدك وأخرجها من الكمّ { فَذَانِكَ } إشارة إلى العصا واليد { برهانان مِن رَّبّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } أي حجتان نيرتان ودليلان واضحان ، قرأ الجمهور { فذانك } بتخفيف النون ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديدها ، قيل : والتشديد لغة قريش . وقرأ ابن مسعود وعيسى بن عمر وشبل وأبو نوفل بياء تحتية بعد نون مكسورة ، والياء بدل من إحدى النونين ، وهي لغة هذيل ، وقيل : لغة تميم ، وقوله : { مِن رَبّكَ } متعلق بمحذوف : أي كائنان منه ، وكذلك قوله : { إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } متعلق بمحذوف : أي مرسلان ، أو واصلان إليهم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين } متجاوزين الحدّ في الظلم ، خارجين عن الطاعة أبلغ خروج ، والجملة تعليل لما قبلها .

/خ32