قوله : { مِنَ الرَّهْبِ } : متعلِّقٌ بأحدِ أربعةِ أشياء : إمَّا ب " وَلَّى " ، وإمَّا ب " مُدْبِراً " ، وإمَّا ب " اضْمُمْ " ويظهر هذا الثالث إذا فَسَّرنا الرَّهْبَ بالكُمِّ ، وإمَّا بمحذوفٍ أي : [ تَسْكُن ] من الرَّهْب . وقرأ حفصٌ بفتح الراءِ وإسكانِ الهاء . والأخَوان وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ بالضمِّ والإِسكان . والباقون بفتحتين . والحسن وعيسى والجحدريُّ وقتادة بضمتين . وكلُّها لغاتٌ بمعنى الخَوْفِ . وقيل : هو بفتحتين الكُمُّ بلغةِ حِمْير وحنيفة . قال الزمخشري : " هو مِنْ بِدَع التفاسير " قال : " وليت شعري كيف صِحَّتُه في اللغةِ ، وهل سُمِع من الثقاتِ الأثباتِ الذين تُرْتَضَى عربيتُهم ؟ ثم ليت شعري كيف موقعُه في الآيةِ وكيف تطبيقُه المفصَّلُ كسائرِ كلماتِ التنزيل . على أنَّ موسى صلوات الله عليه ليلةَ المُناجاة ما كان عليه إلاَّ رُزْمانِقَةٌ من صوف لا كُمَّيْ لها " الرُّزْمانِقَةُ : المِدْرَعَة .
قال الشيخ : " هذا مرويٌّ عن الأصمعي ، وهو ثقةٌ سمعهم يقولون : أَعْطِني ما رَهْبِك أي : كُمِّك . وأمَّا قولُه كيف موقعُه ؟ فقالوا : معناه أخرِجْ يدَك مِنْ كُمِّك " قلت : كيف يَسْتقيم هذا التفسير ؟ يُفَسِّرون اضْمُمْ بمعنى أَخْرِجْ .
وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : قد جُعِل الجناحُ وهو اليدُ في أحد الموضعين مضموماً ، وفي الآخر مضموماً إليه ، وذلك قوله : { وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } وقوله { وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ } فما التوفيقُ بينهما ؟ قلت : المرادُ بالجناحِ المضمومِ [ هو ] اليدُ اليمنى ، وبالجناح المضمومِ إليه هو اليدُ اليُسْرى ، وكلُّ واحدةٍ مِنْ يُمْنى اليدين ويُسْراهما جناح " .
قوله : { فَذَانِكَ } قد تقدَّمَ قراءةُ التخفيفِ والتثقيلِ في سورة النساء وقرأ ابن مسعود وعيسى وشبل وأبو نوفل بياءٍ بعد نونٍ مكسورةٍ ، وهي لغةُ هُذَيْلٍ . وقيل : تميمٌ . ورَوَى شبل عن ابن كثير بياءٍ بعد نونٍ مفتوحةٍ . وهذا على لغةِ مَنْ يفتح نونَ التثنيةِ ، كقوله :
على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقلَّتْ عَشِيَّةً *** فما هي إلاَّ لَمْحَةٌ وتَغيبُ
والياءُ بدلٌ من إحدى النونين ك " تَظَنَّيْت " . وقرأ عبد الله بتشديدِ النون وياءٍ بعدها . ونُسِبَتْ لهُذَيْل . قال المهدوي : بل لغتُهم تخفيفُها . ولا أظنُّ الكسرةَ هنا إلاَّ إشباعاً كقراءةِ هشام { أَفْئِيدَةً مِّنَ النَّاسِ } [ إبراهيم : 37 ] .
و " ذانِكَ " إشارةٌ إلى العصا واليد وهما مؤنثتان ، وإنما ذُكِّر ما أُشير به إليهما لتذكيرِ خبرِهما وهو برهانان ، كما أنه قد يُؤَنَّثُ لتأنيثِ خبرِه كقراءةِ { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ الأنعام : 23 ] فيمَنْ أََنَّثَ ، ونَصَبَ " فِتْنَتَهم " ، وكذا قولُ الشاعر :
3605 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فقد خابَ مَنْ كانَتْ سَرِيْرَتَه الغَدْرُ
وتقدَّم إيضاحُ هذا في الأنعام . والبُرْهان تقدَّم اشتقاقُه .
وقال الزمخشري هنا : " فإنْ قلتَ : لِمَ سُمِّيَتِ الحُجَّةُ بُرْهاناً ؟ قلت : لبياضِها وإنارتِها ، مِنْ قولِهم للمرأةِ البيضاء " بَرَهْرَهَةُ " بتكريرِ العين واللام . والدليلُ على زيادةِ النون قولهم : أَبْرَهَ الرجلُ إذا جاء بالبُرْهان . ونظيرُه تسميتُهم إياها سُلْطاناً ، من السَّليطِ وهو الزيتُ لإِنارتِها " .
قوله : { إِلَى فِرْعَوْنَ } متعلقٌ بمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء " مُرْسَلاً إلى فرعونَ " وغيرُه : اذهَبْ إلى فرعون . وهذا المقدَّرُ ينبغي أن يكونَ حالاً مِنْ " برهانان " أي : مُرْسَلاً بهما إلى فرعونَ . والعاملُ في هذه الحالِ ما في اسمِ الإِشارةِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.