غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (32)

22

أما قوله { واضمم إليك جناحك من الرهب } فذكر جار الله له معنيين : أحدهما حقيقة وهو أنه لما قلب الله العصا حية فزع واضطراب فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له : إن اتقاءك بيدك فيه نقصان قدرك عند الأعداء فإن ألقيتها ، فكما تنقلب حية فادخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب النقص وإظهار معجزة أخرى . وثانيهما مجاز وهو أن يراد بضم الجناح التجلد وضبط النفس حتى لا يضطرب فيكون استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف أرخى جناحيه وإلا ضمهما . ومعنى { من الرهب } من أجل الخوف . والفرق بين هذه العبارة وبين قوله { اسلك يدك في جيبك } أن الغرض هناك خروج اليد بيضاء وههنا الغرض إخفاء الخوف أو أراد بالجناح المضموم ههنا اليد اليمنى وبالجناح المضموم إليه في قوله { واضمم يدك إلى جناحك } اليد اليسرى ، وقيل : إن الرهب هو الكم بلغة حمير وزيفه النقاد . من قرأ { فذانك } بالتخفيف فمثنى ذاك ، ومن قرأ بالتشديد فمثنى ذلك وأصله ذان لك قلبت اللام نوناً وأدغمت . وسميت الحجة برهاناً لبياضها وإنارتها من قولهم " امرأة برهرهة " أي بيضاء ، والعين واللام مكررتان . والدليل على زيادة النون قولهم " أبره الرجل " إذا جاء بالبرهان ونظيره " السلطان " من السليط الزيت ، لإنارتها . وظاهر الكلام يقتضي أنه تعالى أمره بذلك قبل لقاء فرعون ، والسر فيه أن يكون على بصيرة من أمره عند لقاء المعاند اللجوج ، وزعم القاضي أنه في حال أداء الرسالة لأن المعجز إنما يظهر ليستدل المرسل إليه على الرسالة ولا يخفى ضعف هذا الكلام لأن الحكمة في الإظهار لا تنحصر في الاستدلال بل لعل هناك أنواعاً أخر من الحكم والمقاصد قد ذكرنا واحداً منها . ومما يؤكد أن هذا الكلام قد جرى ولم يكن هناك أحد غير موسى قوله معتذراً : { رب إني قتلت منهم نفساً } الآية .

/خ42