إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (32)

{ أسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } أي أَدخلْها فيهِ { تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء } أي عيبٍ { واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } أي يديك المبسوطتينِ لتتَّقي بهما الحيَّةَ كالخائفِ الفزعِ بإدخالِ اليمنى تحتَ العضد الأيسرِ واليسرى تحتَ الأيمنِ أو بإدخالِهما في الجيبِ فيكون تكريراً لغرضٍ آخرَ هو أنْ يكونَ ذلك في وجهِ العدوِّ إظهارَ جراءةٍ ومبدأ لظهورٍ معجزةٍ ، ويجوزُ أنْ يرادَ بالضمِّ التَّجلدُ والثباتُ عند انقلابِ العَصَا ثعباناً استعارةٌ من حالِ الطَّائرِ فإنَّه إذَا خافَ نشَر جناحيِه وإذا أمنَ واطمأنَّ ضمَّهما إليهِ { مِنَ الرهب } أي من أجلِ الرَّهبِ أي إذا عراكَ الخوفُ فافعلْ ذلك تجلُّداً وضبطاً لنفسكَ . وقرئ بضمِّ الراءِ وسكونِ الهاءِ وبضمِّهما ، والكلُّ لغاتٌ { فَذَانِكَ } إشارةٌ إلى العَصَا واليدِ . وقرئ بتشديدِ النُّونِ فالمخففُ مُثنَّى ذاكَ والمشدَّدُ مثنَّى ذلكَ { برهانان } حجَّتانِ نيِّرتانِ . وبُرهان فُعلان لقولِهم أبرَه الرَّجلُ إذا جاءَ بالبُرهانِ من قولِهم برهَ الرَّجلُ إذا ابيضَّ ويُقال للمرأةِ البيضاءِ برهاءُ وبَرَهْرَهةٌ ، ونظيرُه تسميةِ الحجَّةِ سُلطاناً من السَّليطِ وهو الزَّيتُ لإنارتِها . وقيل : هو فُعلال لقولِهم برهنَ . ومِن في قوله تعالى : { مِن رَبّكَ } متعلقةٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ لبرهانانِ أي كائنانِ منْهُ تعالى : { إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } واصلانِ ومنتهيانِ إليهم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين } خارجينَ عن حُدود الظُّلمِ والعُدوان فكانُوا أحِقَّاءَ بأنْ نُرسلَك إليهم بهاتينِ المُعجزتينِ الباهرتينِ .