قوله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا } . ناصرهم ومعينهم ، وقيل : محبهم ، وقيل : متولي أمورهم لا يكلهم إلى غيره ، وقال الحسن : ولي هدايتهم .
قوله تعالى : { يخرجهم من الظلمات إلى النور } . أي من الكفر إلى الإيمان ، قال الواقدي : كل ما في القرآن من الظلمات والنور فالمراد منه الكفر والإيمان ، غير التي في سورة الأنعام ، ( وجعل الظلمات والنور ) فالمراد منه الليل والنهار ، سمي الكفر ظلمه لالتباس طريقه وسمي الإسلام نوراً لوضوح طريقه .
قوله تعالى : { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت } . قال مقاتل : يعني كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة .
قوله تعالى : { يخرجونهم من النور إلى الظلمات } . يدعونهم من النور إلى الظلمات ، والطاغوت يكون مذكراً ومؤنثاً وواحداً وجمعاً ، قال الله تعالى في المذكر والواحد : ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) وقال في المؤنث : ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ) وقال في الجمع : ( يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) فإن قيل : كيف يخرجونهم من النور وهم كفار لم يكونوا في نور قط ؟ قيل : هم اليهود في الأرض ، وكانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما يجدون في كتبهم من نعته ، فلما بعث كفروا به ، وقيل : هو على العموم في حق جميع الكفار ، قالوا : منعهم إياهم من الدخول فيه إخراج ، كما يقول الرجل لأبيه : أخرجتني من مالك ولم يكن فيه ، كما قال الله تعالى إخباراً عن يوسف عليه السلام : ( إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ) ولم يكن قط في ملتهم .
يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سُبُل السلام فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير ، وأن الكافرين إنما وليهم الشياطين تزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات ، ويخرجونهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك { أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات ؛ لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة كما قال : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ الأنعام : 153 ] وقال تعالى : { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور } [ الأنعام : 1 ] وقال تعالى : { عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ } [ النحل : 48 ] إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق ، وانتشار الباطل وتفرده وتشعبه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن ميسرة حدثنا عبد العزيز بن أبي عثمان عن موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد قال : يبعث أهل الأهواء{[4382]} - أو قال : يبعث أهل الفتن - فمن كان هواه الإيمان كانت فتنته بيضاء مضيئة ، ومن كان هواه الكفر كانت فتنته سوداء مظلمة ، ثم قرأ هذه الآية : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
{ الله ولي الذين آمنوا } محبهم ، أو متولي أمورهم ، والمراد بهم من أراد إيمانه وثبت في علمه أنه يؤمن . { يخرجهم } بهدايته وتوفيقه . { من الظلمات } ظلمات الجهل واتباع الهوى وقبول الوساوس والشبه المؤدية إلى الكفر . { إلى النور } إلى الهدى الموصل إلى الإيمان ، والجملة خبر بعد خبر ، أو حال من المستكن في الخبر ، أو من الموصول ، أو منهما ، أو استئناف مبين ، أو مقرر للولاية . { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت } أي الشياطين ، أو المضلات من الهوى والشيطان وغيرهما . { يخرجونهم من النور إلى الظلمات } من النور الذي منحوه بالفطرة ، إلى الكفر وفساد الاستعداد والانهماك في الشهوات ، أو من نور البينات إلى ظلمات الشكوك والشبهات . وقيل : نزلت في قوم ارتدوا عن الإسلام ، وإسناد الإخراج إلى الطاغوت باعتبار التسبب لا يأبى تعلق قدرته تعالى وإرادته بها . { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وعيد وتحذير ، ولعل عدم مقابلته بوعد المؤمنين تعظيم لشأنهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.