قوله تعالى : { ولما أن جاءت رسلنا لوطاً } ظن أنهم من الإنس ، { سيء بهم }حزن بهم { وضاق بهم } بمجيئهم { ذرعاً وقالوا لا تخف } من قومك علينا { ولا تحزن } بإهلاكنا إياهم ، { إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين } قرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، ويعقوب : ( منجوك ) بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد .
أي : من الهالكين ؛ لأنها كانت تمالئهم على كفرهم وبغيهم ودبرهم . ثم ساروا من عنده فدخلوا على لوط في صورة شباب حسان ، فلما رآهم كذلك ، { سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } أي : اهتمَّ{[22576]} بأمرهم ، إن هو أضافهم خاف{[22577]} عليهم من قومه ، وإن لم يضفهم خشي عليهم منهم ، ولم يعلم بأمرهم في الساعة الراهنة . { قَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ . إِنَّا مُنزلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } ، وذلك أن جبريل عليه السلام اقتلع قراهم من قرار الأرض ، ثم رفعها إلى عَنَان السماء ، ثم قلبها عليهم . وأرسل الله عليهم حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ، وجعل [ الله ]{[22578]} مكانها بحيرة خبيثة منتنة ، وجعلهم عبرة إلى يوم التناد{[22579]} ، وهم من أشد الناس عذابا يوم المعاد ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً } أي : واضحة ، { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ، كَمَا قَالَ { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 ، 138 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنّا مُنَجّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرينَ } .
يقول تعالى ذكره : ولَمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطا من الملائكة سِيءَ بِهِمْ يقول : ساءته الملائكة بمجيئهم إليه ، وذلك أنهم تَضَيفوه ، فساءوه بذلك ، فقوله سِيءَ بِهِمْ : فُعِلَ بهم ، مِنْ ساءه بذلك .
وذُكر عن قتادة أنه كان يقول : ساء ظنه بقومه ، وضاق بضيفه ذَرْعا .
حدثنا بذلك الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعمَر عنه وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعا يقول : وضاق ذرعه بضيافتهم لِما علم من خُبث فعل قومه . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله ولَمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعا قال : بالضيافة مخافة عليهم مما يعلم من شرّ قومه .
وقوله : وقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ يقول تعالى ذكره : قالت الرسل للوط : لا تخف علينا أن يصل إلينا قومك ، ولا تحزَن مما أخبرناك من أنّا مهلكوهم ، وذلك أن الرسل قالت له : يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ فَأسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ إنّا مَنَجّوكَ من العذاب الذي هو نازل بقومك وأهْلَكَ يقول : ومنجو أهلِك معك إلاّ امْرأتَكَ فإنها هالكة فيمن يهلك من قومها ، كانت من الباقين الذين طالت أعمارهم .
قد أشعر قوله { إنا مهلكوا أهل هذه القرية } [ العنكبوت : 31 ] أن الملائكة يحلون بالقرية واقتضى ذلك أن يخبروا لوطاً بحلولهم بالقرية ، وأنهم مرسلون من عند الله استجابة لطلب لوط النصر على قومه ، فكان هذا المجيء مقدراً حصوله ، فمن ثم جعل شرطاً لحرف { لما } كما تقدم آنفاً في قوله { ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } [ العنكبوت : 31 ] .
و { أن } حرف مزيد للتوكيد وأكثر ما يزاد بعد { لما } وهو يفيد تحقيق الربط بين مضمون الجملتين اللتين بعد { لما } ، فهي هنا لتحقيق الربط بين مجيء الرسل ومساءة لوط بهم . ومعنى تحقيقه هنا سرعة الاقتران والتوقيت بين الشرط والجزاء تنبيهاً على أن الإساءة عقبت مجيئهم وفاجأته من غير ريث ، وذلك لما يعلم من عادة معاملة قومه مع الوافدين على قريتهم فلم يكون لوط عالماً بأنهم ملائكة لأنهم جاءوا في صورة رجال فأريد هنا التنبيه على أن ما حدث به من المساءة وضيق الذرع كان قبل أن يعلم بأنهم ملائكة جاءوا لإهلاك أهل القرية وقبل أن يقولوا { لا تخف ولا تحزن } .
ولم تقع { أن } المؤكدة في آية سورة هود لأن في تلك السورة تفصيلاً لسبب إساءته وضيق ذرعه فكان ذلك مغنياً عن التنبيه عليه في هذه الآية فكان التأكيد هنا ضرباً من الإطناب . وقد تقدم تفصيل ذلك في سورة هود وتفسيرها هناك .
وبناء فعل { سيء } للمجهول لأن المقصود حصول المفعول دون فاعله .
وعطف عليه جملة { وقالوا لا تخف } لأنها من جملة ما وقع عقب مجيء الرسل لوطاً . وقد طويت جمل دل عليها قوله { إنا مُنَجُّوك وأهلك } وهي الجمل التي ذكرت معانيها في قوله { وجاءه قومه يهرعون إليه } إلى قوله { قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يَصِلُوا إليك } في سورة [ هود : 78 81 ] . وقدّموا تأمينه قبل إعلامه بأنهم منزلون العذاب على أهل القرية تعجيلاً بتطمينه .
وعطفُ { ولا تحزن } على { لا تخف } جمع بين تأمينه من ضرّ العذاب وبين إعلامه بأن الذين سيهلكون ليسوا أهلاً لأن يحزن عليهم ، ومن أولئك امرأته لأنه لا يحزن على من ليس بمؤمن به .
وجملة { إنا منجوك } تعليل للنهي عن الأمرين .
واستثناء امرأته من عموم أهله استثناء من التعليل لا من النهي ، ففي ذلك معذرة له بما عسى أن يحصل له من الحزن على هلاك امرأته مع أنه كان يحسبها مخلصة له ، وقد بيّنا وجه ذلك في تفسير سورة هود .
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي { مُنْجوك } بسكون النون . وقرأ الباقون بفتح النون وتشديد الجيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.