التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗاۖ وَقَالُواْ لَا تَخَفۡ وَلَا تَحۡزَنۡ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهۡلَكَ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ} (33)

ثم بين - سبحانه - حال لوط - عليه السلام - بعد أن وصل إليه الملائكة لينفذوا قضاء الله - تعالى - فى قومه ، فقال - عز وجل - : { وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } .

و " أن " هنا مزيدة لتأكيد المجئ . " وسئ بهم " أى : اعترته المساءة والأحزان بسبب مجيئهم ، لخوفه من اعتداء قومه عليهم .

قال القرطبى : والذرع مصدر ذرع . وأصله أن يذرع البعير بيديه فى سيره ذرعا ، على قدر سعة خطوه ، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق عن ذلك ، وضعف ومد عنقه ، فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع . . وإنما ضاق ذرعه بهم ، لما رأى من جمالهم ، وما يعلمه من فسوق قومه . . . أى : وحين جاءت الملائكة إلى لوط - عليه السلام - ورآهم ، ساءه وأحزنه مجيئهم ، لأنه كان يعرفهم ، ويعرف أن قومه قوم سوء ، فخشى أن يعتدى قومه عليهم . وهو لا يستطيع الدفاع عن هؤلاء الضيوف .

والتعبير بقوله - سبحانه - { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } : تعبير بليغ ، وتصوير بديع لنفاد حيلته ، واغتمام نفسه ، وعجزه عن وجود مخرج للمكره الذى حل به .

و " ذرعا " تمييز محول عن الفاعل ، أى : ضاق بأمرهم ذرعه .

ولاحظ الملائكة - عليهم السلام - على لوط قلقه وخوفه ، فقالوا له على سبيل التبشير وإدخال الطمأنينية على نفسه ، يا لوط : { لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ } أى : لا تخف علينا من قومك ، ولا تحزن لمجيئنا إليك بتلك الصورة المفاجئة .

ثم أفصحوا له عن مهمتهم فقالوا : { إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين } .

أى : إنا منجوك وأهلك المؤمنين من العذاب الذى ننزله بقومك ، إلا امرأته فسيدركها العذاب مع قومك ، وستهلك مع الهالكين بسبب تواطئها معهم ، ورضاها بأفعالهم القبيحة .