السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗاۖ وَقَالُواْ لَا تَخَفۡ وَلَا تَحۡزَنۡ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهۡلَكَ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ} (33)

{ ولما أن جاءت رسلنا لوطاً } أي : المعظمون بنا { سيء } أي : حصلت له المساءة والغم { بهم } أي : بسببهم مخافة أن يقصدهم قومه بسوء لما رأى من حسن أشكالهم وهو يظنّ أنهم من الناس لأنهم جاؤوا من عند إبراهيم عليه السلام إليه على صورة البشر ، روي أنهم كانوا يجلسون مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصاً فإذا مرّ بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى به ، قيل : إنه كان يأخذه معه وينكحه ويغرّمه ثلاثة دراهم ولهم قاض بذلك ، ولهذا يقال : أجور من قاضي سدوم .

{ وضاق } أي : بأعمال الحيلة في الدفع عنهم { بهم ذرعاً } أي : ذرعه أي : طاقته والأصل في ذلك أنّ من طالت ذراعه نال ما لا يناله قصيرها يضرب مثلاً في العجز والقدرة . ولما رأوه على هذه الحالة خففوا عليه { قالوا } له { لا تخف } إنا رسل ربك لإهلاكهم { ولا تحزن } أي : على تمكنهم منا أو على أحد ممن يهلك فإنه ليس في أحد منهم خير يؤسف عليه بسببه فإنهم وصلوا في الخبث إلى حدّ لا مطمع في الرجوع عنه مع ملازمته لدعائهم من غير ملل ولا ضجر ، ثم عللوا ذلك بقولهم مبالغين في التأكيد : { إنا منجوك } أي : مبالغون في إنجائك وقولهم : { وأهلك } منصوب على محل الكاف { إلا امرأتك كانت من الغابرين } فإن قيل : القوم عذبوا بسبب ما صدر منهم من الفاحشة وامرأته لم يصدر منها ذلك فكيف كانت من الغابرين معهم ؟ .

أجيب : بأنّ الدال على الشرّ كفاعله كما أنّ الدال على الخير كفاعله وهي كانت تدل القوم على ضيوف لوط حتى كانوا يقصدونهم فبالدلالة صارت كأحدهم ، فإن قيل ما مناسبة قولهم إنا منجوك لقولهم لا تخف ولا تحزن فإنّ خوفه ما كان على نفسه ؟ أجيب : بأنّ لوطاً لما ضاق عليهم وحزن لأجلهم قالوا له : لا تخف أي : علينا ولا تحزن لأجلنا فإنا ملائكة ، ثم قالوا له : يا لوط خفت علينا وحزنت لأجلنا ففي مقابلة خوفك وقت الخوف نزيل خوفك وننجيك ، وفي مقابلة حزنك نزيل حزنك ولا نتركك تفجع في أهلك فقالوا إنا منجوك وأهلك ، وقرأ ابن كثير وشعبة وحمزة والكسائي بسكون النون وتخفيف الجيم والباقون بفتح النون وتشديد الجيم .