تقرر هذه السورة أن الله قد شرح صدر نبيه وجعله مهبط الأسرار والعلوم ، وحط عنه ما أثقل ظهره من أعباء الدعوة ، وقرن اسمه باسمه في أصل العقيدة وشعائر الدين ، ثم ذكرت سنة الله في أن يقرن اليسر بالعسر ، ودعت الرسول كلما فرغ من فعل خير أن يجتهد في فعل خير آخر ، وأن يجعل قصده إلى ربه فهو القادر على عونه .
يقول تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } يعني : أما شرحنا لك صدرك ، أي : نورناه وجعلناه فَسيحًا رحيبًا واسعًا كقوله : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ } [ الأنعام : 125 ] ، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شَرْعه فسيحا واسعًا سمحًا سهلا لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق .
وقيل : المراد بقوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } شرح صدره ليلة الإسراء ، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة{[30202]} وقد أورده الترمذي هاهنا . وهذا وإن كان واقعًا ، ولكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره الذي فُعِل بصدره ليلة الإسراء ، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضًا ، والله أعلم .
قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني محمد بن عبد الرحيم{[30203]} أبو يحيى البزاز{[30204]} حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبي بن كعب ، حدثني أبي محمد بن معاذ ، عن معاذ ، عن محمد ، عن أبي بن كعب : أن أبا هريرة كان جريًّا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره ، فقال : يا رسول الله ، ما أولُ ما رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال : " لقد سألتَ يا أبا هريرة ، إني لفي الصحراء ابنُ عشر سنين وأشهر ، وإذا بكلام فوق رأسي ، وإذا رجل يقول لرجل : أهو هو ؟ [ قال : نعم ]{[30205]} فاستقبلاني بوجوه لم أرها [ لخلق ]{[30206]} قط ، وأرواح لم أجدها من خلق قط ، وثياب لم أرها على أحد قط . فأقبلا إلي يمشيان ، حتى أخذ كل واحد منهما بعَضُدي ، لا أجد لأحدهما مسا ، فقال أحدهما لصاحبه : أضجعه . فأضجعاني بلا قَصْر ولا هَصْر . فقال أحدهما لصاحبه : افلق صدره . فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع ، فقال له : أخرج الغِلّ والحَسَد . فأخرج شيئًا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها ، فقال له : أدخل الرأفة والرحمة ، فإذا مثل الذي أخرج شبهُ الفضة ، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال : اغدُ واسلم . فرجعت بها أغدو ، رقة على الصغير ، ورحمةً للكبير " {[30207]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الّذِيَ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } .
قوله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مذكّره آلاءه عنده ، وإحسانه إليه ، حاضا له بذلك على شكره على ما أنعم عليه ، ليستوجب بذلك المزيد منه : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ يا محمد ، للهدى والإيمان بالله ومعرفة الحقّ صَدْرَكَ فنلين لك قلبك ، ونجعله وعاء للحكمة وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ يقول : وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك ، وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر : «وَحَلَلْنا عَنْكَ وِقْرَكَ » الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ يقول : الذي أثقل ظهرك فأوهنه ، وهو من قولهم للبعير إذا كان رجيع سفر ، قد أوهنه السفر ، وأذهب لحمه : هو نِقْضُ سَفَر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال : ذنبك .
وقوله : أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : أثقل ظهرك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَلَمَ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ : كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ يعني : الشرك الذي كان فيه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال : شرح له صدرَه ، وغفر له ذنبَه الذي كان قبل أن يُنَبأ ، فوضعه .
بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح لك صدرك ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق فكان غائبا حاضرا ، أو ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم وأزلنا عنه ضيق الجهل ، أو بما يسرنا لك تلقي الوحي بعدما كان يشق عليك ، وقيل إنه إشارة إلى ما روي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صباه أو يوم الميثاق فاستخرج قلبه فغسله ثم ملأه إيمانا وعلما ، ولعله إشارة إلى نحو ما سبق ، ومعنى الاستفهام إنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته ولذلك عطف عليه .
عدد الله على نبيه صلى الله عليه وسلم نعمه عليه في أن شرح صدره للنبوة وهيأه لها ، وذهب الجمهور إلى شرح الصدر المذكور هو تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحي إليه ، وقال ابن عباس وجماعة : هذه إشارة إلى شرحه بشق جبريل عنه في وقت صغره ، وفي وقت الإسراء إذ التشريح شق اللحم ، وقرأ أبو جعفر المنصور «ألم نشرحَ » بنصب الحاء على نحو قول الشاعر [ طرفة ] : [ المنسرح ]
أضرب عنك الهموم طارقها . . . ضربك بالسيف قونس الفرس{[11880]}
ومثله في نوادر أبي زيد : [ الرجز ]
من أي يومي من الموت أفر . . . أيوم لم يقدر أم يوم قدر{[11881]}
كأنه قال : «ألم نشرحن » ثم أبدل من النون ألفاً ثم حذفها تخفيفاً ، وهي قراءة مردودة{[11882]} .
سميت في معظم التفاسير وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي سورة ألم نشرح ، وسميت في بعض التفاسير سورة الشرح ومثله في بعض المصاحف المشرقية تسمية بمصدر الفعل الواقع فيها من قوله تعالى { ألم نشرح لك صدرك } وفي بعض التفاسير تسميتها سورة الانشراح .
وقد عدت الثانية عشرة في عداد نزول السور ، نزلت بعد سةدورة الضحى بالاتفاق وقبل سورة العصر .
وعن طاووس وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقولان ألم نشرح من سورة الضحى . وكانا يقرءانهما بالركعة الواحدة لا يفصلان بينهما يعني في الصلاة المفروضة وهذا شذوذ مخالف لما اتفقت عليه الأمة من تسوير المصحف الإمام .
احتوت على ذكر عناية الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بلطف الله له وإزالة الغم والحرج عنه ، وتفسير ما عسر عليه ، وتشريف قدره لينفس عنه ، فمضمونها شبيه بأنه حجة على مضمون سورة الضحى تثبيتا له بتذكيره سالف عنايته به وإنارة سبيل الحق وترفيع الدرجة ليعلم أن الذي ابتدأه بنعمته ما كان ليقطع عنه فضله ، وكان ذلك بطريقة التقرير بماض يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم .
واتبع ذلك بوعده بأنه كلما عرض له عسر فسيجد من أمره يسرى كدأب الله تعالى في معاملته فليتحمل متاعب الرسالة ويرغب إلى الله عونه .
استفهام تقريري على النفي . والمقصود التقرير على إثبات المنفي كما تقدم غير مرة . وهذا التقرير مقصود به التذكير لأجل أن يراعي هذه المنة عندما يخالجه ضيق صدر مما يلقاه من أذى قوم يريد صلاحَهم وإنقاذَهم من النار ورفعَ شأنهم بين الأمم ، ليدوم على دعوته العظيمة نَشيطاً غير ذي أسف ولا كَمَدٍ .
والشرح حقيقته : فصل أجزاء اللحم بعضِها عن بعض ، ومنه الشريحة للقطعة من اللحم ، والتشريح في الطب ، ويطلق على انفعال النفس بالرضى بالحال المتلبس بها . وظاهر كلام « الأساس » أن هذا إطلاق حقيقي . ولعله راعى كثرة الاستعمال ، أي هو من المجاز الذي يساوي الحقيقة لأن الظاهر أن الشرح الحقيقي خاص بشرح اللحم ، وأن إطلاق الشرح على رضى النفس بالحال أصله استعارة ناشئة عن إطلاق لفظ الضيق وما تصرف منه على الإحساس بالحزن والكمد قال تعالى : { وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز } [ هود : 12 ] الآية . فجعل إزالة ما في النفس من حزن مثل شرح اللحم وهذا الأنسب بقوله : { فإن مع العسر يسراً } [ الشرح : 5 ] .
وتقدم قوله : { قال رب اشرح لي صدري } في سورة طه ( 25 ) .
فالصدر مراد به الإِحساس الباطني الجامع لمعنى العقل والإدراك . وشرح صدره كناية عن الإِنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات وإعلامه برضى الله عنه وبشارته بما سيحصل للدّين الذّي جاء به من النصر .
هذا تفسير الآية بما يفيده نظمها واستقلالها عن المرويات الخارجية ، ففسرها ابن عباس بأن الله شرح قلبه بالإِسلام ، وعن الحسن قال : شرح صدره أن مُلِىءَ علماً وحكماً ، وقال سهل بن عبد الله التستري : شرح صدره بنور الرسالة ، وعلى هذا الوجه حمله كثير من المفسرين ونسبه ابن عطية إلى الجمهور .
ويجوز أن يجعل الشرح شرحاً بدنياً . وروي عن ابن عباس أنه فسر به وهو ظاهر صنيع الترمذي إذ أخرج حديث شقِّ الصدر الشريف في تفسير هذه السورة فتكون الآية إشارة إلى مرويات في شَق صدره صلى الله عليه وسلم شقّاً قُدُسياً ، وهو المروي بعض خبره في « الصحيحين » ، والمروي مطولاً في السيرة والمسانيد ، فوقع بعض الروايات في « الصحيحين » أنه كان في رؤيا النوم ورؤيا الأنبياء وحي ، وفي بعضها أنه كان يقظة وهو ظاهر ما في « البخاري » ، وفي « صحيح مسلم » أنه يقظة وبمرأى من غلمان أترابه ، وفي حديث مسلم عن أنس بن مالك أنه قال : رأيت أثر الشق في جلد صدر النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين النائم واليقظان ، والرواياتُ مختلفة في زمانه ومكانه مع اتفاقها على أنه كان بمكة . واختلاف الروايات حمل بعضَ أهل العلم على القول بأن شق صدره الشريف تكرر مرتين إلى أربع ، منها حين كان عند حليمة .
وفي حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل أن الشق كان وعمُر النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين .
والذي في « الصحيح » عن أبي ذر أنه كان عند المعراج به إلى السماء ، ولعل بعضها كان رؤيا وبعضها حساً . وليس في شيء من هذه الأخبار على اختلاف مراتبها ما يدل على أنه الشرح المراد في الآية ، وإذ قد كان ذاك الشق معجزة خارقة للعادة يجوز أن يكون مراداً وهو ما نحاه أبو بكر بن العربي في « الأحكام » ، وعليه يكون الصدر قد أطلق على حقيقته وهو الباطن الحاوي للقلب . ومن العلماء من فسر الصدر بالقلب حكاه عياض في « الشفا » ، يشير إلى ما جاء في خبرِ شق الصدر من إخراج قلبه وإزالة مقر الوسوسة منه ، وكلا المعنيين للشرح يفيد أنه إيقاع معنى عظيم لنفس النبي صلى الله عليه وسلم إمَّا مباشرة وإما باعتبار مغزاهُ كما لا يخفى .
واللام في قوله : { لك } لام التعليل ، وهو يفيد تكريماً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله فعل ذلك لأجله .
وفي ذكر الجار والمجرور قبل ذكر المشروح سلوك طريقة الإِبهام للتشويق فإنه لما ذُكر فعل { نشرح } عَلم السامع أن ثَمَّ مشروحاً ، فلما وقع قوله : { لك } قوي الإِبهام فازداد التشويق ، لأن { لك } يفيد معنى شيئاً لأجلك فلما وقع بعده قوله : « صدره » تعين المشروح المترقَّب فتمكن في الذهن كمال تمكن ، وهذا ما أشار إليه في « الكشاف » وقفِّي عليه صاحب « المفتاح » في مبحث الإِطناب .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
نزلت هذه السورة بعد سورة الضحى . وكأنها تكملة لها . فيها ظل العطف الندي . وفيها روح المناجاة الحبيب . وفيها استحضار مظاهر العناية . واستعراض مواقع الرعاية . وفيها البشرى باليسر والفرج . وفيها التوجيه إلى سر اليسر وحبل الاتصال الوثيق . .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سميت في معظم التفاسير وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي سورة ألم نشرح ، وسميت في بعض التفاسير سورة الشرح، ومثله في بعض المصاحف المشرقية تسمية بمصدر الفعل الواقع فيها من قوله تعالى { ألم نشرح لك صدرك } وفي بعض التفاسير تسميتها سورة الانشراح ...
احتوت على ذكر عناية الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بلطف الله له وإزالة الغم والحرج عنه ، وتفسير ما عسر عليه ، وتشريف قدره لينفس عنه ، فمضمونها شبيه بأنه حجة على مضمون سورة الضحى تثبيتا له بتذكيره سالف عنايته به وإنارة سبيل الحق وترفيع الدرجة ليعلم أن الذي ابتدأه بنعمته ما كان ليقطع عنه فضله ، وكان ذلك بطريقة التقرير بماض يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم .
واتبع ذلك بوعده بأنه كلما عرض له عسر فسيجد من أمره يسرى كدأب الله تعالى في معاملته فليتحمل متاعب الرسالة ويرغب إلى الله عونه .
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
وفي السورة تطمين لنفس النبي صلى الله عليه وسلم وتذكيره بعناية الله به . وبينها وبين سابقتها تماثل حتى لكأنها امتداد لها ...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
تتضمن خطابا من الحق سبحانه لنبيه ، فيه مناجاة له من ربه ، تنسجم كل الانسجام ، وتتناسب كل التناسب ، مع الخطاب الإلهي الذي وجهه إليه في سورة " الضحى " قبلها ، حتى لكأنهما سورة واحدة في موضوع واحد . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
محتوى السّورة المعروف أنّ هذه السّورة نزلت بعد سورة «الضحى » ومحتواها يؤيد ذلك ، لأنّها تسرد أيضاً قسماً من الهبات الإلهية للرسول الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) . في سورة «الضحى » عرض لثلاث هبات إلهية بعضها مادية وبعضها معنوية ، وفي هذه السّورة ذكر لثلاث هبات أيضاً غير أنّ جميعها معنوية ، وتدور السّورة بشكل عام حول ثلاثة محاور : الأوّل : بيان النعم الثلاث ، والثّاني : تبشير النّبي بزوال العقبات أمام دعوته ، والثّالث : الترغيب في عبادة اللّه الواحد الأحد ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مذكّره آلاءه عنده ، وإحسانه إليه ، حاضا له بذلك على شكره على ما أنعم عليه ، ليستوجب بذلك المزيد منه : "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ" يا محمد ، للهدى والإيمان بالله ومعرفة الحقّ "صَدْرَكَ" فنلين لك قلبك ، ونجعله وعاء للحكمة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
اختلف في قوله : { ألم نشرح لك صدرك } قال بعضهم : شرح صدره للإسلام كقوله : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } ( الزمر : 22 ) أخبر أن من شرح صدره للإسلام ، { فهو على نور من ربه } والشرح : قيل : هو التليين والتوسيع والفتح ، أي ألم نوسع لك صدرك ، ونفتح ، ونلين للإسلام . ...
وقال بعضهم : شرح صدره لأنه لما كلف بتبليغ الرسالة إلى الجن والإنس وإلى الفراعنة والجبابرة الذين همتهم إهلاك من يخالفهم والانقلاع عن عبادة من يعبد الله ، ضاق صدره لذلك ، وثقل على قلبه ، فوسع الله صدره ، وشرحه حتى هان ذلك عليه وخف ....
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
وهذا تقرير من الله تعالى لرسول صلى الله عليه وسلم عند انشراح صدره لما حمله من نبوّته . وفي " نشرح " وجهان :
أحدهما : أي أزال همك منه حتى تخلو لما أُمِرت به .
الثاني : أي نفتح لك صدرك ليتسع لما حملته عنه فلا يضيق ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
( ألم نشرح لك صدرك ) فالشرح: فتح الشيء بإذهاب ما يصد عن إدراكه ، فالله تعالى قد فتح صدر نبيه بإذهاب الشواغل التي تصد عن إدراك الحق وتعظيمه بما يجب له . ومنه قول القائل : أشرح صدري لهذا الأمر . وشرح فلان كتاب كذا ...وقال البلخي : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضاق صدره بمغاضبة الجن والإنس له فآتاه الله من آياته ووعده ما اتسع قلبه لكل ما حمله الله وأمره به .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار ، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه ، فكأنه قيل : شرحنا لك صدرك ؛ ولذلك عطف عليه : وضعنا : اعتباراً للمعنى . ومعنى : شرحنا صدرك : فسحناه حتى وسع هموم النبوّة ودعوة الثقلين جميعاً . أو حتى احتمل المكاره التي يتعرض لك بها كفار قومك وغيرهم ، أو فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم ، وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
عدد الله على نبيه صلى الله عليه وسلم نعمه عليه في أن شرح صدره للنبوة وهيأه لها ، وذهب الجمهور إلى شرح الصدر المذكور هو تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحي إليه ، وقال ابن عباس وجماعة : هذه إشارة إلى شرحه بشق جبريل عنه في وقت صغره ، وفي وقت الإسراء إذ التشريح شق اللحم ، ...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
شَرْحُهُ حَقِيقَةٌ حِسِّيَّةٌ ، وَذَلِكَ حِينَ كَانَ عِنْدَ ظِئْرِهِ ، وَحِينَ أُسْرِيَ بِهِ ، وَشَرَحَهُ مَعْنًى حِينَ جَمَعَ لَهُ التَّوْحِيدَ فِي صَدْرِهِ وَالْقُرْآنَ ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ، وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَظِيمًا ، وَشَرَحَهُ حِينَ خَلَقَ لَهُ الْقَبُولَ لِكُلِّ مَا أَلْقَى إلَيْهِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ تَمَامُ الشَّرْحِ وَزَوَالُ التَّرَحِ . ...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
لما كانَ الصدرُ محلاًّ لأحوالِ النفسِ ومخزناً لسرائرِها من العلومِ والإدراكاتِ والملكاتِ والإراداتِ وغيرِها عبرَ بشرحِه عن توسيعِ دائرةِ تصرفاتِها بتأييدِها بالقوةِ القدسيةِ وتحليتِها بالكمالاتِ الأُنسيةِ أيْ ألمْ نفسحْهُ حَتَّى حَوَى عَالَمِيْ الغيبِ والشَّهادةِ ... والتعبير عن ثبوتِ الشَّرحِ بالاستفهامِ الإنكاريِّ عنِ انتفائِه للإيذانِ بأنَّ ثبوتَهُ منَ الظهورِ بحيثُ لا يقدرُ أحدٌ على أنْ يجيبَ عنْهُ بغيرِ بَلَى ، وزيادةُ الجارِّ والمجرورِ معَ توسيطِه بينَ الفعلِ ومفعولِه للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأنَّ الشَّرحَ من منافِعِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ ومصالحِه مسارعةً إلى إدخالِ المسرةِ في قلبِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ وتشويقاً لهُ إلى ما يعقبُهُ ليتمكَّنَ عندَهُ وقتَ ورودِهِ فضل تمكِّنٍ . ...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
الشرح في الأصل الفسح والتوسعة وشاع استعماله في الإيضاح ومنه شرح الكتاب إذا أوضحه لما أن فسح الشيء وبسطه مستلزم لإظهار باطنه وما خفي منه وكذا شاع في سرور النفس حتى لو قيل أنه حقيقة عرفية فيه لم يبعد ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وقصارى ذلك : إنا أذهبنا عن نفسك جميع الهموم حتى لا تقلق ولا تضجر ، وجعلناك راضي النفس ، مطمئن الخاطر ، واثقا من تأييد الله ونصره ، عالما كل العلم أن الذي أرسلك لا يخذلك ، ولا يعين عليك عدوا .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( ألم نشرح لك صدرك ? ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ? ورفعنا لك ذكرك ? )
وهي توحي بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها ، ومن العقبات الوعرة في طريقها ؛ ومن الكيد والمكر المضروب حولها . . توحي بأن صدره [ صلى الله عليه وسلم ] كان مثقلا بهموم هذه الدعوة الثقيلة ، وأنه كان يحس العبء فادحا على كاهله . وأنه كان في حاجة إلى عون ومدد وزاد ورصيد . .
ثم كانت هذه المناجاة الحلوة ، وهذا الحديث الودود !
( ألم نشرح لك صدرك ? ) . . ألم نشرح صدرك لهذه الدعوة ? ونيسر لك أمرها ? . ونجعلها حبيبة لقلبك ، ونشرع لك طريقها ? وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة !
فتش في صدرك - ألا تجد فيه الروح والانشراح والإشراق والنور ? واستعد في حسك مذاق هذا العطاء ، وقل : ألا تجد معه المتاع مع كل مشقة والراحة مع كل تعب ، واليسر مع كل عسر ، والرضى مع كل حرمان ?
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استفهام تقريري على النفي . والمقصود التقرير على إثبات المنفي كما تقدم غير مرة . وهذا التقرير مقصود به التذكير لأجل أن يراعي هذه المنة عندما يخالجه ضيق صدر مما يلقاه من أذى قوم يريد صلاحَهم وإنقاذَهم من النار ورفعَ شأنهم بين الأمم ، ليدوم على دعوته العظيمة نَشيطاً غير ذي أسف ولا كَمَدٍ .
والشرح حقيقته : فصل أجزاء اللحم بعضِها عن بعض ، ومنه الشريحة للقطعة من اللحم ، والتشريح في الطب ، ويطلق على انفعال النفس بالرضى بالحال المتلبس بها . وظاهر كلام « الأساس » أن هذا إطلاق حقيقي . ولعله راعى كثرة الاستعمال ، أي هو من المجاز الذي يساوي الحقيقة لأن الظاهر أن الشرح الحقيقي خاص بشرح اللحم ، وأن إطلاق الشرح على رضى النفس بالحال أصله استعارة ناشئة عن إطلاق لفظ الضيق وما تصرف منه على الإحساس بالحزن والكمد قال تعالى : { وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز } [ هود : 12 ] الآية . فجعل إزالة ما في النفس من حزن مثل شرح اللحم وهذا الأنسب بقوله : { فإن مع العسر يسراً } [ الشرح : 5 ] .
وتقدم قوله : { قال رب اشرح لي صدري } في سورة طه ( 25 ) .
فالصدر مراد به الإِحساس الباطني الجامع لمعنى العقل والإدراك . وشرح صدره كناية عن الإِنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات وإعلامه برضى الله عنه وبشارته بما سيحصل للدّين الذّي جاء به من النصر .