المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

5- فإذا انقضت مدة الأمان - الأشهر الأربعة - فاقتلوا المشركين الناقضين للعهد في كل مكان ، وخذوهم بالشدة ، واضربوا الحصار عليهم بسد الطرق ، واقعدوا لهم في كل سبيل ، فإن تابوا عن الكفر ، والتزموا أحكام الإسلام بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فلا سبيل لكم عليهم لدخولهم في دين الله ، والله عظيم المغفرة لمن تاب ، واسع الرحمة بعباده .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

قوله تعالى : { فإذا انسلخ } . انقضى ومضى .

قوله تعالى : { الأشهر الحرم } . قيل : هي الأشهر الأربعة رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم . وقال مجاهد ، وابن إسحاق : هي شهور العهد ، فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر ، ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم ، خمسون يوما ، وقيل لها حرم : لأن الله تعالى حرم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم . فإن قيل : هذا القدر بعض الأشهر الحرم والله تعالى يقول : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } ؟ قيل : لما كان هذا القدر متصلا بما مضى أطلق عليه اسم الجمع ، ومعناه : مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحرم .

وقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . في الحل والحرم .

قوله تعالى : { وخذوهم } . وأسروهم .

قوله تعالى : { واحصروهم } . أي احبسوهم ، قال ابن عباس رضي الله عنه : يريد أن تحصنوا فاحصروهم ، أي امنعوهم من الخروج . وقيل : امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام .

قوله تعالى : { واقعدوا لهم كل مرصد } ، أي على كل طريق ، والمرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو ، من رصدت الشيء أرصده : إذا ترقبته ، يريد : كونوا لهم رصدا لتأخذوهم من أي وجه توجهوا . وقيل : اقعدوا لهم بطريق مكة ، حتى لا يدخلوها .

قوله تعالى : { فإن تابوا } . من الشرك .

قوله تعالى : { وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } . يقول : دعوهم فليتصرفوا في أمصارهم ويدخلوا مكة

قوله تعالى : { إن الله غفور } . لمن تاب .

قوله تعالى : { رحيم } . به ، وقال الحسين بن الفضل : هذه الآية نسخت كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

اختلف المفسرون في المراد بالأشهر الحرم هاهنا ، ما هي ؟ فذهب ابن جرير إلى أنها [ الأربعة ]{[13249]} المذكورة في قوله تعالى : { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } الآية [ التوبة : 36 ] ، قاله أبو جعفر الباقر ، لكن قال ابن جرير : آخر الأشهر الحرم في حقهم المحرم وهذا الذي ذهب إليه حكاه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وإليه ذهب الضحاك أيضًا ، وفيه نظر ، والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفي عنه ، وبه قال مجاهد ، وعمرو بن شعيب ، ومحمد بن إسحاق ، وقتادة ، والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أن المراد بها أشهر التسيير الأربعة المنصوص عليها في قوله : { فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } [ التوبة : 2 ] ثُمَّ قَالَ { فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ } أي : إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم ، وأجلناهم فيها ، فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم ؛ لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر ؛ ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة .

وقوله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } أي : من الأرض . وهذا عام ، والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله : { وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } [ البقرة : 191 ]

وقوله : { وَخُذُوهُمْ } أي : وأسروهم ، إن شئتم قتلا وإن شئتم أسرا .

وقوله : { وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } أي : لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم ، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم ، والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع ، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ؛ ولهذا قال : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

ولهذا اعتمد الصديق ، رضي الله عنه ، في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها ، حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال ، وهي الدخول في الإسلام ، والقيام بأداء واجباته . ونبه بأعلاها على أدناها ، فإن أشرف الأركان بعد الشهادة الصلاة ، التي هي حق الله ، عز وجل ، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج ، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين ؛ ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة ، وقد جاء في الصحيحين{[13250]} عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا{[13251]} أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة " الحديث .

وقال أبو إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، ومن لم يزك فلا صلاة له .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ، وقال : يرحم الله أبا بكر ، ما كان أفقهه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا حميد الطويل ، عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا

رسول الله ، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، وصلوا صلاتنا ، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم " .

ورواه البخاري في صحيحه وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث عبد الله بن المبارك ، به{[13252]}

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس [ عن أنس ]{[13253]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده ، وعبادته لا يشرك به شيئا ، فارقها والله عنه راض " - قال : وقال أنس : هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم ، قبل هرج الأحاديث ، واختلاف الأهواء ، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل ، قال الله تعالى : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } - قال : توبتهم خلع الأوثان ، وعبادة ربهم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ثم قال في آية أخرى : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } {[13254]} [ التوبة : 11 ]

ورواه ابن مردويه .

ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب " الصلاة " له : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنبأنا حَكَّام بن سِلْم{[13255]} حدثنا أبو جعفر الرازي ، به سواء{[13256]}

وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم : إنها نسخت كل عهد بين النبي{[13257]} صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين ، وكل عهد ، وكل مدة .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية : لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة ، منذ نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم ، ومدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنزل{[13258]} أربعة أشهر ، من يوم أذن ببراءة إلى عشر من أول شهر ربيع الآخر .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : أمره الله تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ، ونقض ما كان سمي لهم من العقد والميثاق ، وأذهب الشرط الأول .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : قال سفيان{[13259]} قال

علي بن أبي طالب : بعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف : سيف في المشركين من العرب{[13260]} قال الله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [ وَخُذُوهُمْ ] } {[13261]}

هكذا رواه مختصرا ، وأظن أن السيف الثاني هو قتال أهل الكتاب في قوله : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [ التوبة : 29 ] والسيف الثالث : قتال المنافقين في قوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ [ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ] } [ التوبة : 73 ، والتحريم : 9 ]{[13262]} والرابع : قتال الباغين في قوله : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [ الحجرات : 9 ]

ثم اختلف المفسرون في آية السيف هذه ، فقال الضحاك والسدي : هي منسوخة بقوله تعالى : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } [ محمد : 4 ] وقال قتادة بالعكس .


[13249]:- زيادة من ت ، أ.
[13250]:- في ت ، أ : "الصحيح".
[13251]:- في ت : "يقولوا"
[13252]:- المسند (3/199) وصحيح البخاري برقم (392) وسنن أبي داود برقم (2641) وسنن الترمذي برقم (2608) وسنن النسائي (8/109).
[13253]:- زيادة من ت ، أ ، والطبري.
[13254]:- تفسير الطبري (14/135) ورواه ابن ماجة في السنن برقم (70) من طريق عبيد الله بن موسى بنحوه، وقال البوصيري في الزوائد (1/56) : "هذا إسناد ضعيف، الربيع بن أنس ضعيف هنا".
[13255]:- في ك : "سلمة".
[13256]:- تعظيم قدر الصلاة برقم (1).
[13257]:- في أ : "رسول الله".
[13258]:- في ت ، ك ، أ : "تنزل براءة".
[13259]:- في ت ، ك ، أ : "سفيان بن عيينة".
[13260]:- في ت ، د : "سيف في المشركين وسيف في العرب".
[13261]:- زيادة من أ.
[13262]:- زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلّواْ سَبِيلَهُمْ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فإذا انقضى ومضى وخرج ، يقال منه : سلخنا شهر كذا نسلخه سَلْخا وسُلُوخا ، بمعنى : خرجنا منه ، ومنه قولهم : شاة مسلوخة ، بمعنى : المنزوعة من جلدها المخرجة منه ويعني بالأشهر الحرم : ذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرّم ، أو إنما أريد في هذا الموضع انسلاخ المحرّم وحده ، لأن الأذان كان ببراءة يوم الحجّ الأكبر ، فمعلوم أنهم لم يكونوا أجلوا الأشهر الحرم كلها وقد دللنا على صحة ذلك فيما مضى . ولكنه لما كان متصلاً بالشهرين الاَخرين قبله الحرامين وكان هولهما ثالثا وهي كلها متصل بعضها ببعض ، قيل : فإذا انسلخ الأشهر الحرم .

ومعنى الكلام : فإذا انقضت الأشهر الحرم الثلاثة عن الذين لا عهد لهم ، أو عن الذين كان لهم عهد ، فنقضوا عهدهم بمظاهرتهم الأعداء على رسول الله وعلى أصحابه ، أو كان عهدهم إلى أجل غيره معلوم فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ يقول : فاقتلوهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ يقول : حيث لقيتوهم من الأرض في الحرم وغير الحرم في الأشهر الحُرم وغير الأشهر الحرم . وَخُذُوهُمْ يقول : وأسروهم وَاحْصُرُوهُمْ يقول : وامنعوهم من التصرف في بلاد الإسلام ودخول مكة . وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ يقول : واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو أسرهم كلّ مرصد ، يعني : كلّ طريق ومرقب ، وهو مفعل من قول القائل رصدت فلانا أرصُده رَصْدا ، بمعنى : رقبته . فإنْ تابُوا يقول : فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك بالله وجحود نبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له ، دون الاَلهة والأنداد ، والإقرار بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وأقامُوا الصّلاةَ يقول : وأدّوا ما فرض الله عليهم من الصلاة بحدودها وأعْطُوا الزّكاةَ التي أوجبها الله عليهم في أموالهم أهلها . فخَلّوا سَبِيلَهُمْ يقول : فدعوهم يتصرّفون في أمصاركم ويدخلون البيت الحرام . إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لمن تاب من عباده ، فأناب إلى طاعته بعد الذي كان عليه من معصيته ، ساتر على ذنبه ، رحيم به أن يعاقبه على ذنوبه السالفة قبل توبته ، بعد التوبة . وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في الذين أُجّلوا إلى انسلاخ الأشهر الحرم .

وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسديّ ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ فَارَقَ الدّنْيَا على الإخْلاص للّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتِهِ لا يُشْرِكُ بهِ شَيْئا ، فَارَقها والله عَنْهُ رَاضٍ » قال : وقال أنس : هو دين الله الذي جاءت به الرسل ، وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء ، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل الله ، قال الله : فإنْ تَابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتَوُا الزّكَاةَ فخَلّوا سَبِيلَهُمْ قال : توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة . ثم قال في آية أخرى : فإنْ تَابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكَاةَ فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ حتى ختم آخر الآية . وكان قتادة يقول : خلوا سبيل من أمركم الله أن تخلوا سبيله ، فإنما الناس ثلاثة رهط : مسلم عليه الزكاة ، ومشرك عليه الجزية ، وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عشور ماله .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ وهي الأربعة التي عددت لك ، يعني عشرين من ذي الحجة والمحرّم وصفر وربيعا الأول وعشرا من شهر ربيع الاَخر .

وقال قائلو هذه المقالة : قيل لهذه الأشهر الحرم لأن الله عزّ وجلّ حرّم على المؤمنين فيها دماء المشركين والعَرْض لهم إلا بسبيل خير . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن إبراهيم بن أبي بكر ، أنه أخبره ، عن مجاهد وعمرو بن شعيب ، في قوله : فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ أنها الأربعة التي قال الله : فَسِيحُوا في الأرْضِ قال : هي الحرم من أجل أنهم أومنوا فيها حتى يسيحوها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الّذَينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ فَسِيحُوا في الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ قال : ضرب لهم أجل أربعة أشهر ، وتبرأ من كلّ مشرك ، ثم أمر إذا انسلخت تلك الأشهر الحرم فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ لا تتركوهم يضربون في البلاد ، ولا يخرجون للتجارة ، ضيقوا عليهم . بعدها أمر بالعفو : فإنْ تَابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ يعني الأربعة التي ضرب الله لهم أجلاً لأهل العهد العام من المشركين . فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كْلّ مَرْصَدٍ . . . الآية .