لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

قوله سبحانه وتعالى : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } يعني فإذا انقضت الأشهر الحرم ومضت وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم . وقال مجاهد ومحمد بن إسحاق : هي شهور العهد سميت حرماً لحرمة نقض العهد فيها فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم وذلك خمسون يوماً وقيل إنما قال لها حرم لأن الله سبحانه وتعالى حرم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم .

فإن قلت : على هذا القول هذه المدة وهي الخمسون يوماً بعض الأشهر الحرم والله سبحانه وتعالى قال فإذا انسلخ الأشهر الحرم .

قلت : لما كان هذا القدر من الأشهر متصلاً بما مضى أطلق عليه اسم الجمع والمعنى فإذا مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحرم { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } يعني في الحل والحرم وهذا أمر إطلاق يعني اقتلوهم في أي وقت وأي مكان وجدتموهم { وخذوهم } يعني واسروهم { واحصروهم } أي واحبسوهم .

قال ابن عباس : يريد أن تحصنوا فاحصروهم وامنعوهم من الخروج . وقيل : امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام { واقعدوا لهم كل مرصد } يعني على كل طريق والمرصد الوضع الذي يقعد فيه للعدو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته والمعنى كونوا لهم رصداً حتى تأخذوهم من أي وجه توجهوا . وقيل : معناه اقعدوا لهم بطريق مكة حتى لا يدخلوها { فإن تابوا } يعني من الشرك ورجعوا إلى الإيمان { وأقاموا الصلاة } يعني وأتموا أركان الصلاة المفروضة { وآتوا الزكاة } الواجب عليهم طيبة بها أنفسهم { فخلوا سبيلهم } يعني إلى الدخول إلى مكة والتصرف في بلادهم { إن الله غفور } يعني لمن تاب ورجع من الشرك إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة { رحيم } يعني بأوليائه وأهل طاعته ، وقال الحسن بن الفضل : نسخت هذه الآية كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذى الأعداء .