الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

قوله : { فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين }[ 5 ] ، الآية .

قوله : { كل مرصد }[ 5 ] ، منصوب عند الأخفش على حذف : " على " {[28181]} .

وقد حكى سيبويه : ضرب الظهر والبطن {[28182]} ، أي : " على " ، فنصب لما حذف " على " {[28183]} .

ونصبه على الظرف حسن ، كما تقول : " قعدت له كل مذهب {[28184]} " .

أي في كل مذهب .

والمعنى : فإذا انقضت الأشهر الحرم عن الذين لا عهد لهم ، أو عن الذين كان لهم عهد ، فنقضوا وظاهروا المشركين على المسلمين ، أو كان عهدهم إلى غير أجل معلوم {[28185]} . { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }[ 5 ] ، من الأرض ، في الحرم ، وفي غيره ، وفي الأشهر الحرم وفي غيرها {[28186]} . { وخذوهم }[ 5 ] ، أي : أسروهم {[28187]} ، والعرب تسمي " الأسير " : أخيذا {[28188]} ، { واحصروهم }[ 5 ] ، أي : امنعوهم من التصرف في بلاد المسلمين {[28189]} ، وأصل " الحصر " : المنع ( والحبس ) {[28190]} ، { واقعدوا لهم كل مرصد }[ 5 ] ، أي : طالبوهم في كل طريق {[28191]} . { فإن تابوا }[ 5 ] ، أي : رجعوا عن الشرك {[28192]} ، { وأقاموا الصلاة }[ 5 ] ، أي : أدوها بحدودها {[28193]} ، { وآتوا الزكاة }[ 5 ] ، أي : أعطوا ما يجب عليهم في أموالهم/ ، { فخلوا سبيلهم }[ 5 ] أي : أعطوا ما يجب عليهم في أموالهم/ ، { فخلوا سبيلهم }[ 5 ] أي : دعوهم يتصرفون [ في أمصاركم ] {[28194]} ، ويدخلون البيت الحرام {[28195]} { إن الله غفور } ، أي : ساتر ذنوب من رجع وأناب {[28196]} ، { رحيم }[ 5 ] ، أن يعاقبه على ذنوبه السابقة قبل توبته ، [ بعد التوبة ] {[28197]} .

روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من فارق الدنيا على الإخلاص لله عز وجل ، وعبادته جلت عظمته ، لا يشرك به فارقها والله عنه راض " {[28198]} .

و{ الاشهر الحرم } ، هنا : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم {[28199]} .

وأريد في هذا الموضع انسلاخ المحرم وحده ؛ لأن الأذان ب : " براءة " كان يوم الحج الأكبر . فمعلوم أنهم لم يكونوا أُجِّلوا {[28200]} الأشهر [ الحرم {[28201]} ] كلها ، ولكنه لما كان المحرم متصلا بالشهرين الآخرين {[28202]} الحرامين وكان لهما تاليا {[28203]} قيل : { فإذا انسلخ الاشهر الحرم } {[28204]} .

وقال السدي : { الاشهر الحرم } هنا هي : من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر {[28205]} .

وسميت " حرما " ؛ لأن الله حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين ، وأذاهم {[28206]} .

وقال مجاهد : { الاشهر الحرم } ، هنا هي : الأربعة التي قال الله عز وجل : { فسيحوا في الارض أربعة أشهر } {[28207]}[ 2 ] .

وهو قول السدي {[28208]} .

ومثله قال ابن زيد ، قال : أمر الله سبحانه أن يتركوا أربعة أشهر يسيحون ثم يتبرأ منهم ، ثم أمر إذا انسلخت تلك الأشهر الحرم أن يقتلوا حيث وجدوا {[28209]} .

وسماها " حُرما " ؛ لأنه حرم قتل المشركين فيها .

وقال الضحاك ، والسدي : الآية منسوخة لا يحل قتل أسير صبرا {[28210]} ، والذي نسخها هو قوله : { {[28211]} فإما منا بعد وإما فداء } . وهو قول عطاء {[28212]} .

وقال قتادة : هذه {[28213]} الآية ناسخة لقوله : { فإما منا بعد وإما فداء } ، ولا يجوز أن يمن على أسير ولا يُفادى ، وقد روي مثله عن مجاهد {[28214]} .

وقال ابن زيد : وهو الصواب إن شاء الله ، [ إن {[28215]} ] الآيتين محكمتان {[28216]} .

أمر هنا : أن يؤخذوا {[28217]} إما للقتل ، وإما للمن ، وإما للفداء ، وأمر ثم {[28218]} ، إما المن ، وإما الفداء ، فهما محكمتان ، وقد فعل هذا كله رسول الله صلى الله عليه وسلم : قتل الأسارى ، وفادى ببعض ، ومنّ على بعض ، وذلك يوم بدر {[28219]} .


[28181]:معاني القرآن 1/353، بلفظ: "...، وألقى "على"، وقال الشاعر: نغالي اللحم للأضياف نيئا *** ونبذله إذا نضج القدور أراد: نغالي باللحم، وإعراب القرآن للنحاس 2/203، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج2/430، وزاد المسير 3/398، والبحر المحيط 5/12، والدر المصون 3/444، وأورده المؤلف في مشكل إعراب القرآن 1/324، من غير عزو.
[28182]:انظر: الكتاب 1/158، وفيه: "ضرب زيد الظهر والبطن...".
[28183]:إعراب القرآن للنحاس 2/203، وهو مصدر مكي.
[28184]:إعراب القرآن للنحاس 2/203، وفيه: "جيد"، بدل "حسن"، وهو اختيار الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 2/431، وخطأه أبو علي الفارسي. انظر: تفسير القرطبي 8/48، والبحر المحيط 5/12، وفيه الرد على أبي علي، والدر المصون 3/443.
[28185]:جامع البيان 14/134، بتصرف يسير.
[28186]:المصدر نفسه.
[28187]:المصدر نفسه، وتفسير غريب ابن قتيبة 183.
[28188]:تفسير غريب ابن قتيبة 183، من غير: "والعرب تسمي"، وتأويل مشكل القرآن 502، باب: اللفظ الواحد للمعاني المختلفة، وينظر: اللسان أخذ. و"ر": أخذا، وهو تحريف.
[28189]:جامع البيان 14/134، بتصرف يسير.
[28190]:تفسير غريب ابن قتيبة 183ن مع زيادة للإيضاح، وما بين الهلالين ساقط من "ر".
[28191]:في تفسير القرطبي 8/47، "المرصد: الموضع الذي يُرقب فيه العدو، يقال: رصدت فلانا أرصده"، أي: رقبته، أي: أقعدوا لهم في مواضع الغرة حيث يرصدون". وفي أحكام ابن العربي 2/302: "قال علماؤنا: في هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدعوة"، وأضاف أبو حيان في البحر 5/12: "وهذا تنبيه على أن المقصود إيصال الأذى إليهم بكل طريق، وإما بطريق القتل، وإما بطريق الاغتيال. وقد أجمع المسلمون على جواز السرقة من أموال أهل الحرب وإسلال خيلهم وإتلاف مواشيهم إذا عجز عن الخروج بها إلى دار الإسلام، إلا أن يصالحوا على مثل ذلك". وفي فتح القدير 2/385: "وهذه الآية المتضمنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم عامة لكل مشرك، ولا يخرج عنها إلا من خصته السنة، وهو المرأة، والصبي، والعاجز الذي لا يقاتل، وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون الجزية، على فرض تناول لفظ "المشركين" لهم".
[28192]:جامع البيان 14/134، باختصار.
[28193]:جامع البيان 14/134، باختصار.
[28194]:زيادة من جامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[28195]:المصدر نفسه 14/135.
[28196]:جامع البيان 14/135.
[28197]:زيادة من جامع البيان 14/135، الذي نقل عنه مكي.
[28198]:طرف من حديث طويل أخرجه ابن ماجه في كتاب المقدمة، باب: في الإيمان رقم 69.
[28199]:جامع البيان 14/134.
[28200]:في المخطوطتين، بالحاء المهملة، وهو تصحيف.
[28201]:زيادة من "ر": وجامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[28202]:في جامع البيان: "الآخرين قبله".
[28203]:كذا في المخطوطتين: وفي جامع البيان: "ثالثا" بتائين مثلثتين.
[28204]:جامع البيان 14/134، بتصرف يسير.
[28205]:جامع البيان 14/136، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1752، وعزاه إلى قتادة أيضا، والدر المنثور 4/131، بتصرف وينظر تفسير ابن كثير 2/335.
[28206]:جامع البيان 14/136، بتصرف.
[28207]:جامع البيان 14/137، باختصار، وفيه: "...عن مجاهد وعمرو بن شعيب" وأورده السيوطي في الدر 4/131. باختصار أيضا.
[28208]:تفسير ابن كثير 2/336، وفتح القدير 2/384.
[28209]:جامع البيان 14/137، باختصار، وينظر تفسير الماوردي 2/340، وتفسير البغوي 4/13، وأحكام ابن العربي 2/901، وزاد المسير 3/398، وتفسير ابن كثير 2/336، وفتح القدير 2/384.
[28210]:كل ذي روح يوثق حتى يقتل فقد قتل صبرا، المصباح/صبر.
[28211]:محمد: آية 4، والآية بتمامها: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}.
[28212]:الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 309، وزاد نسبته إلى الحسن، وجامع البيان 14/140، من غير عطاء، والمحرر الوجيز 3/8، ونواسخ القرآن 359، بلفظ: "...قاله الحسن، وعطاء، والضحاك في آخرين"، وتفسير القرطبي 8/47، وتفسير ابن كثير 2/337، من غير عطاء وفتح القدير 2/385، وينظر الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2/246.
[28213]:في "ر": وهذه.
[28214]:الإيضاح 309، وجامع البيان 14/140، من غير ذكر مجاهد، ونواسخ القرآن 360، والمحرر الوجيز 3/8، وتفسير القرطبي 8/47، وفتح القدير 2/385.
[28215]:زادة من "ر".
[28216]:الإيضاح 309، والمحرر الوجيز 3/8، وتفسير القرطبي 8/47، وفيه: "وهو الصحيح"، وتفسير الثعالبي 2/117، وفتح القدير 3/385، وينظر: جمع البيان 14/140. وقال ابن الجوزي في الزاد 3/399: "...هذا قول جابر بن زيد، وعليه عامة الفقهاء، وهو قول الإمام أحمد". انظر نواسخه 360.
[28217]:في الأصل: يأخذوا، وهو تحريف.
[28218]:يقصد سورة محمد، وثم تكررت في الأصل، وثمَّ، بفتح الثاء: إشارة إلى المكان. انظر مزيد بيان في اللسان/ثمم.
[28219]:انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 309، و413 و414 والناسخ والمنسوخ لأبي عبيد 209، وما بعدها: باب الأسارى، ونواسخ ابن الجوزي 360.