وقوله تعالى : ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ )قال بعضهم : الأشهر الحرم هي أشهر العهد والأمان . فإذا انسلخت تلك الأشهر ، ومضت( فاقتلوا المشركين )( حيث وجدتموهم ) .
وقال بعضهم : الأشهر الحرم هي الأشهر التي خلقها الله ، وجعلها حراما ، كقوله : ( إن عدة الأشهر عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم/207-أ/ خلق السموات والأرض منها أربعة حرم )[ التوبة : 36 ] .
وقوله تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ ) قال بعضهم حيث وجدتموهم في الأماكن كلها ؛ لأن حيث إنما يترجم عن مكان ؛ أمر بقتلهم في الأماكن كلها لأنه لم يخص مكانا دون مكان . وقال آخرون : هو في الأماكن كلها إلا مكان الحرم . دليله ما ذكر في السورة التي فيها البقرة ، وهو قوله : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) وقوله[ في الأصل وم : وقال ] : ( ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام )[ الآية : 191 ] أمرهم بقتالهم في الأماكن كلها إلا المسجد الحرام . وأمكن أن يكون أنهم يقتلون [ عدوهم ][ ساقطة من الأصل وم ] إلا أن يدخلوا [ المسجد ][ ساقطة من الأصل وم ] الحرام ، وقد نهوا عن الدخول فيه[ في الأصل و م : فيها ] والحج هنالك على ما روي أن عليا نادى بالموسم : «ألا لا يحجن بعد العام مشرك »[ البخاري : 369 ] فإذا دخلوا يقتلون ، ويكون دخولهم فيه بعد النهي كابتداء مقاتلهم إيانا .
فإذا قاتلونا عند [ المسجد الحرام قاتلناهم ] كقوله : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم )[ البقرة : 191 ] والله أعلم .
وقوله تعالى : ( وخذوهم ) قيل : سروهم ، وقوله : ( واحصروهم ) قيل : واحبسوهم ( واقعدوا لهم كل مرصد ) والمرصد الطريق ؛ كأنه أمر بقوله : ( فاقتلوا المشركين ) بقتلهم إذا قدروا عليهم ، وأمكن لهم ذلك ، والأمر [ عند ][ من م ، ساقطة من الأصل ] الإمكان والحبس إذا دخلوا الحصن ، وحفظ المراصد عند غير الإمكان لئلا يفروا . ويقال : أرصدت له أي انتظرت حتى[ في الأصل وم : يحل ] أجد فرصتي . ويقال : ترصدته أي انتظرته .
وقال بعضهم : ( كل مرصد ) أي كل طريق يرصدونكم . كأنه أمر بذلك ليضيق عليهم الأمر ، ليضجروا ، ويتفادوا . وفيه دليل النهي عما يحمل إلى دار الحرب من أنواع الثياب والأمتعة وما ينتفعون به ؛ لأنه أمر بالحصر و حفظ الطرق والمراصد ليضيق عليهم الأمر فيشتد فيتفادوا ، وفيما يحملون توسيع عليهم .
وقوله تعالى : ( وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) يحتمل أن يكون قوله ( وخذوهم واحصروهم ) أي أقيموا عليهم الحجج والبراهين ليضطروا إلى قبول ذلك . فإذا أنفذوا لكم ، وإلا فاقتلوهم ( حيث وجدتموهم ) .
وقوله تعالى : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) فوجب بظاهر الآية أن نقاتل من آمن ، ولم يقم الصلاة ، ولم يؤتي الزكاة ؛ لأن الله تعالى إنما رفع القتل عنهم بالإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة . فإذا لم يأتوا بذلك فالقتل واجب عليهم .
وكذلك [ فعل أبو ][ في الأصل : فعل أبي ] بكر الصديق لما ارتدت العرب ، ومنعتهم الزكاة ؛ حاربهم حتى أذعنوا بأدائها إليه . روي عن أنس [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب كافة ، فقال عمر : يا أبا بكر تريد أن تقاتل العرب كافة ، فقال أبو بكر : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة منعوا من دمائهم وأموالهم . والله لو منعوني عقالا كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم عليه . قال عمر : فلما رأيت أبا بكر قد شرح عرفت أنه الحق .
وفي بعض الأخبار [ أنهم ][ ساقطة من الأصل وم ] قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله ، ونصلي ولكن لا نزكي ، فمشى عمر والبدريون إلى أبي بكر ، فقالوا : دعهم فإنهم إذا استقر الإسلام في قلوبهم ، وثبت أدوا . فقال : والله لو منعوني عقالا مما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلتهم عليه . [ وقالوا : قاتل ][ في الأصل وم : قيل أو قاتل ] رسول الله على ثلاث : شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وقال الله : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) والله [ لا ][ من م ، ساقطة من الأصل ] أسأل فوقهن ولا أقصر دونهن ، فقالوا : إنا نزكي ولكن لا نرفعها ، فقال : والله حتى آخذها كما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضعها مواضعها .
وقال آخرون : قوله : ( فإن تابو ا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) في قبولهما[ من م ، في الأصل : قبولها ] والاعتقاد بهما دون فعلهما لما لا يحتمل حبسهم ومنعهم إلا أن يحول الحول ، فيأخذوا بأداء الزكاة . دل على أنه القبول والإقرار بذلك ، واستدلوا لما روي في بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، و إني رسول الله ، فإذا قالوا ذلك عصموا مني كذا » . وفي بعضها : «حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، وإني رسول الله ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وإذا فعلوا ذلك منعوا كذا »[ مسلم : 21 ] .
دل ما ذكرنا من الزيادات والنقصان أن ذلك في قوم مختلفين وأنه على القبول لذلك والاعتقاد ، لا على الفعل بنفسه . فمن كان لا يقر بشيء من ذلك ، فإذا قال : لا إله إلا الله ، كان ذلك منه إيمانا في الظاهر . ومن كان يقول : لا إله إلا الله ، ولا يقول : محمد رسول الله ؛ فإذا قال ذلك [ كان ذلك ][ من م ، ساقطة من الأصل ] منه إيمانا . ومن كان يقر بهذين ، ولا يقر بالصلاة والزكاة ، فإذا أقر بذلك كان ذلك منه إيمانا ، فهو على الإقرار به والاعتقاد ، لا على الفعل .
ألا ترى أن للأئمة أن يأخذوا منهم الزكاة ؛ شاؤوا ، أو أبوا ؟ فلو كان الأداء من شرط الإيمان لكانوا غير مؤمنين بأخذ هؤلاء .
واختلف الصحابة والروايات في الحج الأكبر ؛ روي عن عبد الله بن الزبير [ أنه قال ][ ساقطة من الأصل وم ] قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة : «هل تدرون أي يوم هذا ؟ قالوا نعم ، اليوم الحرام ، يوم الحج الأكبر ، قال : فإن الله قد حرم دماءكم و أموالكم عليكم إلى يوم القيامة كحرمة يومكم هذا »[ ابن ماجه : 3057 ] .
وعن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن الحج الأكبر ، فقال : يوم عرفة . وعنه أنه وقف عليهم يوم عرفة فقال : إن هذا يوم الحج الأكبر ، فلا يصومنه أحد . وعن ابن الزبير [ أنه كان ][ ساقطة من الأصل وم ] يقول : يوم عرفة هذا يوم الحج الأكبر .
وفي بعض الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب على ناقة حمراء يوم النحر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتدرون أي يوم هذا ؟ هذا يوم النحر ، وهذا يوم الحج الأكبر » .
وفي بعض الأخبار عن ابن عمر [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : رأيت ، أو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم النحر عند المحراب في حجة الوداع : «أي يوم هذا ؟ قالوا هذا يوم النحر . قال[ من م ، في الأصل : قالوا ] فأي بلد هذا ؟ قالوا هذا بلد حرام ، قال : فأي شهر هذا ؟ قالوا : هذا شهر حرام . قال : هذا يوم الحج الأكبر ؛ فدماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم ، ثم قال : هل بلغت ؟ »[ مسلم1679/30 ] .
وعن الحارث [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : سألت عليا عن الحج الأكبر ، فقال : يوم النحر ، وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب يوم العيد ، فقال : هذا يوم النحر ، ويوم الأضحى ويوم الحج الأكبر ، وعن العباس رضي الله عنهما [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] الحج الأكبر يوم النحر .
وفيه قول ثالث : ما روي أنه كان في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لعمرو بن حزم : والحج الأصغر العمرة . وعن ابن عباس [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : العمرة الحجة الصغرى ، وسئل عبد الله بن شداد عن الحج الأكبر فقال : الحج الأكبر يوم النحر والأصغر العمرة .
فأما حديث عمرو بن حزم فهو حكاية عن كتاب ، وليس فيه بيان عن يوم الحج الأكبر إنما يذكر فيه الحج الأصغر . ولولا خبر علي وابن عمر لجاز أن يقال : يوم عرفة هو يوم الحج الأكبر لأنه يقضى فيه فرض الحج ؛ وهو الوقوف . ومن فاته ذلك فقد فاته الحج ، وجاز أن يقال : هو يوم النحر ؛ لأن فيه يقضى طواف الزيادة وهو فرض يقتضى فيه أكبر مناسك الحج ، بل هو يوم النحر أولى أن يكون يوم الحج الأكبر ؛ لأن الحاج يفعل في يوم عرفة فرضا من فرائض الحج وهو الوقوف ، ويقتضى في يوم النحر فرض[ في الأصل وم : فرضا ] آخر من فرائضه ، وهو طواف الزيادة ويقتضى مع ذلك أكبر مناسك الحج . فقد استوى هذان اليومان في أنه يقتضى في كل /207-ب/ واحد منهما فرض من فرائض الحج ، وزاد يوم النحر على يوم عرفة بما يفعل في يوم النحر من مناسك الحج ولا يفعل في يوم عرفة شيء[ في الأصل وم : شيئا ] من النسك إلا الوقوف بعرفة .
واحتج بعض الناس بفريضة العمرة بما رواه عمرو ابن حزم أن الحج الأصغر هو العمرة ، والحج الأكبر هو الحج لما[ في الأصل : بما ، في م : إنما ] سميت العمرة حجا ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك في ما تقدم .
وعن علي وأبي هريرة وابن أبي أوفى رضي الله عنهم أنهم قالوا : الحجة الكبرى يوم النحر ، وعن عمر وابن عباس أنهما قالا : يوم عرفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.