المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

41- أيها المؤمنون ، إذا دعا داعي الجهاد فلبوا النداء أفراداً وجماعات - كل على قدر حاله - ناشطين بالقوة والسلامة والسلاح ، وجاهدوا بالمال والنفس في سبيل إعلاء كلمة الله . ففي ذلك العز والخير لكم . . إن كنتم من أهل العلم الصحيح والمعرفة الحقة{[83]} .


[83]:من المعاني المقصودة: قوموا للقتال ركبانا ومشاة مسلحين بعتاد خفيف وآخر ثقيل، وهذا من الأساليب المعروفة الآن، فالأسلحة الخفيفة كالسيوف لها غرضها في قتال الجنود، أما الأسلحة الثقيلة فهي لدك معاقل العدو وحصونه.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

قوله تعالى : { انفروا خفافا وثقالا } ، قال الحسن والضحاك ، ومجاهد ، وقتادة ، وعكرمة : شبانا وشيوخا . وعن ابن عباس : نشاطا وغير نشاط . وقال عطية العوفي : ركبانا ومشاة . وقال أبو صالح : خفافا من المال ، أي فقراء ، وثقالا أي : أغنياء . وقال ابن زيد : الثقيل الذي له الضيعة ، فهو ثقيل يكره أن يدع ضيعته ، والخفيف لا ضيعة له . ويروى عن ابن عباس قال : خفافا أهل المسيرة من المال ، وثقالا أهل العسرة . وقيل : خفافا من السلاح ، أي : مقلين منه ، وثقالا أي : مستكثرين منه . وقال الحكم بن عتيبة : مشاغيل وغير مشاغيل . وقال مرة الهمذاني : أصحاء ومرضى . وقال يمان بن رباب : عزابا ومتأهلين . وقيل : خفافا من حاشيتكم وأتباعكم ، وثقالا مستكثرين بهم . وقيل : خفافا مسرعين خارجين ساعة سماع النفير ، وثقالا بعد التروي فيه والاستعداد له . " وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " ، قال الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه ، فقيل له : إنك عليل صاحب ضر ، فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع . وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس : نسخت هذه الآية بقوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } . وقال السدي : لما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله تعالى وأنزل : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } الآية .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

قال سفيان الثوري ، عن أبيه ، عن أبي الضحَى مسلم بن صَبيح : هذه الآية : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا }

أول ما نزل من سورة براءة .

وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حَضْرمي أنه ذكر له أن ناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرا ، فيقول : إني لا آثم ، فأنزل الله : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } الآية .

أمر الله تعالى بالنفير العام مع الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، عام غزوة تبوك ، لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب ، وحَتَّم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المَنْشَط والمَكْرَه والعسر واليسر ، فقال : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا }

وقال علي بن زيد ، عن أنس ، عن أبي طلحة : كهولا وشَبَابًا{[13518]} ما أسمع الله عَذَر أحدًا ، ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قُتل .

وفي رواية : قرأ{[13519]} أبو طلحة سورة براءة ، فأتى على هذه الآية : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } فقال : أرى ربنا يستنفرنا شيوخًا وشَبَابًا{[13520]} جهزوني يا بَنِيَّ . فقال بنوه : يرحمك الله ، قد غزوت مع رسول الله حتى مات ، ومع أبي بكر حتى مات ، ومع عمر حتى مات ، فنحن نغزو عنك . فأبى ، فركب البحر فمات ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام ، فلم يتغير ، فدفنوه بها{[13521]} وهكذا روي عن ابن عباس ، وعِكْرِمة وأبي صالح ، والحسن البصري ، وشَمْر بن عطية ، ومقاتل بن حَيَّان ، والشعبي وزيد بن أسلم : أنهم قالوا في تفسير هذه الآية : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } قالوا : كهولا وشبابا{[13522]} وكذا قال عِكْرِمة والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد .

وقال مجاهد : شبابا{[13523]} وشيوخا ، وأغنياء ومساكين . وكذا قال أبو صالح ، وغيره .

وقال الحكم بن عُتيبة : مشاغيل وغير مشاغيل .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } يقول : انفروا نشاطا وغير نشاط . وكذا قال قتادة .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مُجاهد : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } قالوا : فإن فينا الثقيل ، وذا الحاجة ، والضيعة{[13524]} والشغل ، والمتيسر به أمر ، فأنزل الله وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم .

وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضا : في العسر واليسر . وهذا كله من مقتضيات العموم في الآية ، وهذا اختيار ابن جرير .

وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي : إذا كان النفير إلى دُروب الروم نفرَ الناس إليها خفافا وركبانا ، وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافا وثقالا وركبانا ومشاة . وهذا تفصيل في المسألة .

وقد روي عن ابن عباس ، ومحمد بن كعب ، وعطاء الخراساني وغيرهم أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله .

وقال السدي قوله : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } يقول : غنيًا وفقيرًا ، وقويًا وضعيفًا فجاءه رجل يومئذ ، زعموا أنه المقداد ، وكان عظيما سمينًا ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له ، فأبى فنزلت يومئذ{[13525]} { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله ، فقال : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } [ التوبة : 91 ] .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، حدثنا أيوب ، عن محمد قال : شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا ثم لم يتخلف عن غَزاة للمسلمين إلا وهو في آخرين إلا عاما واحدًا قال : وكان أبو أيوب يقول : قال الله : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } فلا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلا{[13526]} وقال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمر السَّكُوني ، حدثنا بَقِيَّة ، حدثنا حَرِيز ، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ، حدثني أبو راشد الحُبْراني قال : وافيت المقدام بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وقد فضل عنها من عظمه ، يريد الغزو ، فقلت له : لقد أعذر الله إليك فقال : أتت علينا سورة " البعوث{[13527]} { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا }{[13528]} وبه قال ابن جرير : حدثني حيان بن زيد الشَّرْعِبي قال : نفرنا مع صفوان بن عمرو ، وكان واليا على حمص قِبَل الأفسُوس ، إلى الجراجمة فلقيت شيخًا كبيرًا هما ، وقد سقط حاجباه على عينيه ، من أهل دمشق ، على راحلته ، فيمن أغار . فأقبلت إليه{[13529]} فقلت : يا عم ، لقد أعذر الله إليك . قال : فرفع حاجبيه{[13530]} فقال : يا ابن أخي ، استنفرنا الله خفافا وثقالا إنه من يحبه الله يبتليه ، ثم يعيده الله فيبقيه{[13531]} وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ، ولم يعبد إلا الله ، عز وجل{[13532]}

ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله ، وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله ، فقال : { وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : هذا خير لكم في الدنيا والآخرة ، ولأنكم تغرمون في النفقة قليلا فيغنيكم الله أموال عدوكم في الدنيا ، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " وتَكفَّل الله للمجاهد{[13533]} في سبيله إن{[13534]} توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرده إلى منزله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " {[13535]} ولهذا قال تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 216 ] .

ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد :

حدثنا محمد بن أبي عَدِيّ ، عن حميد ، عن أنس ؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " أسلم " . قال : أجدني كارها . قال : " أسلم وإن كنت كارها " {[13536]}


[13518]:- في أ : "وشبانا".
[13519]:- في ت ، أ : "وهو في رواية أنه قال : ".
[13520]:- في أ : "وشبانا".
[13521]:- في ت ، ك : "فيها".
[13522]:- في ت ، ك ، أ : "وشبانا".
[13523]:- في أ : "شبانا".
[13524]:- في ت : "والصنعة".
[13525]:- في أ : "فنزلت هذه الآية".
[13526]:- تفسير الطبري (14/267).
[13527]:- في هـ ، ت ، د : "البعوث" والمثبت من الطبري.
[13528]:- تفسير الطبري (14/268).
[13529]:- في ت ، أ : "عليه".
[13530]:- في ت : "حاجبه".
[13531]:- في أ : "فيقتنيه".
[13532]:- رواه الطبري في تفسيره (14/264).
[13533]:- في ت : "للمجاهدين".
[13534]:- في ت : "بأن".
[13535]:- رواه البخاري في صحيحه برقم (7463) ومسلم في صحيحه برقم (1876) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[13536]:- المسند (3/109).