قوله تعالى : { هو السميع العليم *ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء } ، هو استفهام معناه : وأي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ؟ وقيل : وما يتبعون حقيقة ، لأنهم يعيدونها على ظن أنهم شركاء فيشفعون لنا ، وليس على ما يظنون . { إن يتبعون إلا الظن } ، يظنون أنها تقربهم إلى الله تعالى ، { وإن هم إلا يخرصون } ، يكذبون .
وفي ملك يده كل من في السماوات وكل من في الأرض من إنس وجن وملائكة ، وفي عصاة وتقاة ، فكل ذي قوة من خلقه داخل في سلطانه وملكه :
( ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ) . .
وهذه حكمة ذكر( من )هنا لا " ما " لأن المقصود إثبات أن الأقوياء كالضعفاء كلهم في ملك يده سواء . فالسياق جار فيها مجراه .
( وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ) . .
فهؤلاء الشركاء الموهومون ليسوا في حقيقتهم شركاء لله في شيء ؛ وعبادهم ليسوا على يقين مما يزعمون لهم من شركة :
ثم أخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض ، وأن المشركين يعبدون الأصنام ، وهي لا تملك شيئا ، لا{[14329]} ضرًا ولا نفعا ، ولا دليل لهم على عبادتها ، بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وتخرصهم وكذبهم وإفكهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلآ إِنّ للّهِ مَن فِي السّمَاوَات وَمَنْ فِي الأرْضِ وَمَا يَتّبِعُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ألا إنّ لِلّهِ يا محمد كلّ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ ملكا وعبيدا لا مالك لشيء من ذلك سواه ، يقول : فكيف يكون إلها معبودا من يعبده هؤلاء المشركون من الأوثان والأصنام ، وهي لله ملك ، وإنما العبادة للمالك دون المملوك ، وللربّ دون المربوب . وَما يَتّبِعُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ شُرَكاءَ يقول جلّ ثناؤه : وأيّ شيء يتبع من يدعو من دون الله ، يعني غير الله وسواه شركاء . ومعنى الكلام : أيّ شيء يتبع من يقول لله شركاء في سلطانه وملكه كاذبا ، والله المنفرد بملك كلّ شيء في سماء كان أو أرض . إنْ يَتّبِعُونَ إلاّ الظّنّ يقول : ما يتبعون في قيلهم ذلك ودعواهم إلا الظنّ ، يقول : إلا الشكّ لا اليقين . وَإنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ يقول : وإن هم يتقوّلون الباطل تظننا وتخرّصا للإفك عن غير علم منهم بما يقولون .
ثم استفتح بقوله { ألا إن لله من في السماوات والأرض } أي بالملك والإحاطة ، وغلب من يعقل في قوله { من } إذ له ملك الجميع ما فيها ومن فيها ، وإذا جاءت العبارة ب «ما » فذلك تغليب للكثرة إذ الأكثر عدداً من المخلوقات لا يعقل ، ف { من } تقع للصنفين بمجموعهما ، «وما » كذلك « ، ولا تقع لما يعقل إذا تجرد من أن تقول : ما قائل هذا القول ؟ هذا ما يتقلده من يفهم كلام العرب ، وقوله { وما يتبع } يصح أن تكون { ما } استفهاماً بمعنى التقرير وتوقيف نظر المخاطب ، ويعمل { يدعون } في قوله { شركاء } ويصح أن تكون نافية ويعمل { يتبع } في { شركاء } على معنى أنهم لا يتبعون شركاء حقاً ، ويكون مفعول { يدعون } محذوفا ، وفي هذا الوجه عندي تكلف{[6159]} . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : [ تدعون ] بالتاء ، وهي قراءة غير متجهة{[6160]} ، وقوله وقوله { إن } نافية و { يخرصون } معناه يحدسون ويخمنون لا يقولون بقياس ولا نظر ، وقرأت فرقة » ولا يُحزنك «من أحزن ، وقرأت فرقة » ولا يَحزنك «من حزن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.