الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ} (66)

{ مَن فِى السماوات وَمَنْ فِى الأرض } يعني العقلاء المميزين وهم الملائكة والثقلان ، وإنما خصّهم ، ليؤذن أنّ هؤلاء إذا كانوا له وفي ملكته فهم عبيد كلهم ، وهو سبحانه وتعالى : ربهم ولا يصلح أحد منهم للربوبية ، ولا أن يكون شريكاً له فيها ، ما وراءهم مما لا يعقل أحقّ أن لا يكون له ندّاً وشريكاً ، وليدلّ على أن من اتّخذ غيره رباً من ملك أو إنسي فضلاً عن صنم أو غير ذلك ، فهو مبطل تابع لما أدّى إليه التقليد وترك النظر . ومعنى : وما يتبعون شركاء ، أي : وما يتبعون حقيقة الشركاء وإن كانوا يسمونها شركاء ، لأنّ شركة الله في الربوبية محال { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ } ظنهم أنها شركاء { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } يحزرون ويقدرون أن تكون شركاء تقديراً باطلاً . ويجوز أن يكون { وَمَا يَتَّبِعُ } في معنى الاستفهام ، يعني : وأي شيء يتبعون . و { شُرَكَاء } على هذا نصب بيدعون ، وعلى الأوّل بيتبع . وكان حقه . وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء ، فاقتصر على أحدهما للدلالة . ويجوز أن تكون «ما » موصولة معطوفة على «من » كأنه قيل : ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء ، أي : وله شركاؤهم . وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : تدعون ، بالتاء ، ووجهه أن يحمل { وَمَا يَتَّبِعُ } على الاستفهام ، أي : وأي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين ، يعني : أنهم يتبعون الله ويطيعونه ، فما لكم لا تفعلون مثل فعلهم ؟ كقوله تعالى : { أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة } [ الإسراء : 57 ] ثم صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة فقال : إن يتبع هؤلاء المشركون إلاّ الظن ، ولا يتبعون ما يتبع الملائكة والنبييون من الحق .