فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ} (66)

{ أَلا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السموات وَمَن فِي الأرض } ومن جملتهم هؤلاء المشركون المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كانوا في ملكه يتصرّف فيهم كيف يشاء ، فكيف يستطيعون أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يأذن الله به ، وغلب العقلاء على غيرهم ؛ لكونهم أشرف . وفي الآية نعي على عباد البشر ، والملائكة والجمادات ؛ لأنهم عبدوا المملوك ، وتركوا المالك ، وذلك مخالف لما يوجبه العقل ، ولهذا عقبه بقوله : { وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاء } والمعنى : أنهم وإن سموا معبوداتهم شركاء لله ، فليست شركاء له على الحقيقة ، لأن ذلك محال : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا } وما في وما يتبع نافية وشركاء مفعول يتبع ، وعلى هذا يكون مفعول يدعون محذوفاً ، والأصل : وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ، شركاء في الحقيقة : إنما هي : أسماء لا مسميات لها ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ، ويجوز أن يكون المذكور مفعول يدعون ، وحذف مفعول يتبع لدلالة المذكور عليه ، ويجوز أن تكون استفهامية بمعنى : أيّ شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ، ويكون على هذا الوجه شركاء منصوباً ب " يدعون " ، والكلام خارج مخرج التوبيخ لهم ، والإزراء عليهم . ويجوز أن تكون ما موصولة معطوفة على من في السموات : أي لله من في السموات ، ومن في الأرض ، وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ؛ والمعنى : أن الله مالك لمعبوداتهم لكونها من جملة من في السموات ومن في الأرض . ثم زاد سبحانه في تأكيد الردّ عليهم ، والدفع لأقوالهم ، فقال : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن } أي : ما يتبعون يقيناً إنما يتبعون ظناً ، والظنّ لا يغني من الحق شيئاً { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي : يقدرون أنهم شركاء تقديراً باطلاً ، وكذباً بحتاً ، وقد تقدّمت هذه الآية في الأنعام .

/خ70