60- واذكر - أيها النبي - حين قلنا لك : إن ربك أحاط بالناس ، فهم في قبضة قدرته ، فبلِّغهم ولا تخف أحداً فهو يعصمك منهم ، وما جعلنا ما عاينته ليلة الإسراء من العجائب إلا امتحاناً واختباراً للناس ، يزداد به إيمان المؤمن وكفر الكافر ، وما جعلنا الشجرة المذمومة في القرآن - وهي شجرة الزَّقوم التي تنبت في أصل الجحيم - إلا اختباراً لهم أيضاً ، إذ قالوا : النار تحرق الشجر ، فكيف تنبته ؟ ونخوفهم بها ، فما يزيدهم تخويفنا إلا تجاوزا للحد الكبير .
قوله عز وجل : { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } ، أي : هم في قبضته ، لا يقدرون على الخروج من مشيئته ، فهو حافظك ومانعك منهم ، فلا تهبهم وامض لما أمرك به من تبليغ الرسالة ، كما قال : { والله يعصمك من الناس } [ المائدة – 67 ] . { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } ، فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات . قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول سعيد بن جبير ، والحسن ، و مسروق ، و قتادة ، و مجاهد ، و عكرمة ، و ابن جريج و الأكثرين . والعرب تقول : رأيت بعيني رؤية ورؤيا ، فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك ، وكذبوا فكان فتنة للناس . وقال قوم : أسري بروحه دون بدنه . وقال بعضهم : كان له معراجان : معراج رؤية بالعين ، ومعراج رؤيا بالقلب . وقال قوم . أراد بهذه الرؤيا ما رأى صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه ، فجعل السير إلى مكة قبل الأجل فصده المشركون ، فرجع إلى المدينة ، وكان رجوعه في ذلك العام بعد ما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم ، حتى دخلها في العام المقبل ، فأنزل الله تعالى : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } [ الفتح – 27 ] { والشجرة الملعونة في القرآن } ، يعني شجرة الزقوم ، مجازه : والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن ، والعرب تقول لكل طعام كريه : طعام ملعون . وقيل : معناه الملعون أكلها ، ونصب الشجرة عطفاً على الرؤيا ، أي : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة إلا فتنة للناس ، فكانت الفتنة في الرؤيا ما ذكرنا . والفتنة في الشجرة الملعونة من وجهين ، أحدهما : أن أبا جهل قال : إن ابن أبي كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ، ثم يزعم أنه ينبت فيها شجرة ، وتعلمون أن النار تحرق الشجرة . والثاني أن عبد الله بن الزبعري قال : إن محمداً يخوفنا . بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر ، وقال أبو جهل : يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بالتمر والزبد ، فقال : يا قوم تزقموا فإن هذا ما يخوفكم به محمد ، فوصفها الله تعالى في الصافات . وقيل : الشجرة الملعونة هي : التي تلتوي على الشجر فتجففه ، يعني الكشوث . { ونخوفهم فما يزيدهم } التخويف ، { إلا طغياناً كبيراً } أي : تمرداً وعتواً عظيماً .
أما الخوارق التي وقعت للرسول [ ص ] وأولها خارقة الإسراء والمعراج فلم تتخذ معجزة مصدقة للرسالة . إنما جعلت فتنة للناس وابتلاء .
( وإذ قلنا لك : إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ) .
ولقد ارتد بعض من كان آمن بالرسول [ ص ] بعد حادثة الإسراء ، كما ثبت بعضهم وازداد يقينا . ومن ثم كانت الرؤيا التي أراها الله لعبده في تلك الليلة " فتنة للناس " وابتلاء لإيمانهم . أما إحاطة الله بالناس فقد كانت وعدا من الله لرسوله بالنصر ، وعصمة له من أن تمتد أيديهم إليه .
ولقد أخبرهم بوعد الله له وبما أطلعه الله عليه في رؤياه الكاشفة الصادقة . ومنه شجرة الزقوم التي يخوف الله بها المكذبين . فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل متهكما : هاتوا لنا تمرا وزبدا ، وجعل يأكل من هذا بهذا ويقول : تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا !
فماذا كانت الخوارق صانعة مع القوم لو كانت هي آية رسالته كما كانت علامة الرسالات قبله ومعجزة المرسلين ? وما زادتهم خارقة الإسراء ولا زادهم التخويف بشجرة الزقوم إلا طغيانا كبيرا ?
إن الله لم يقدر إهلاكهم بعذاب من عنده . ومن ثم لم يرسل إليهم بخارقة . فقد اقتضت إرادته أن يهلك المكذبين بالخوارق . أما قريش فقد أمهلت ولم تؤخذ بالإبادة كقوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب . . ومن المكذبين من آمن بعد ذلك وكان من جند الإسلام الصادقين . ومنهم من أنجب المؤمنين الصادقين . وظل القرآن - معجزة الإسلام - كتابا مفتوحا لجيل محمد [ ص ] وللأجيال بعده ، فآمن به من لم يشهد الرسول وعصره وصحابته . إنما قرأ القرآن أو صاحب من قرأه . وسيبقى القرآن كتابا مفتوحا للأجيال ، يهتدي به من هم بعد في ضمير الغيب ، وقد يكون منهم من هو أشد إيمانا وأصلح عملا ، وأنفع للإسلام من كثير سبقوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.