ولما ذكر سبحانه الامتناع من إرسال الآيات المقترحة على رسوله للصارف المذكور ، قوي قلبه بوعد النصر والغلبة فقال : { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس } الظرف متعلق بمحذوف ، أي : اذكر إذ قلنا لك ، أي : أنهم في قبضته وتحت قدرته ، فلا سبيل لهم إلى الخروج مما يريده بهم لإحاطته لهم بعلمه وقدرته ، وقيل : المراد بالناس : أهل مكة ، وإحاطته بهم إهلاكه إياهم أي : إن الله سيهلكهم ، وعبر بالماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه ، وذلك كما وقع يوم بدر ويوم الفتح ، وقيل : المراد أنه سبحانه عصمه من الناس أن يقتلوه حتى يبلّغ رسالة ربه { وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ } لما بين سبحانه أن إنزال الآيات يتضمن التخويف ضمّ إليه ذكر آية الإسراء ، وهي المذكورة في صدر السورة ، وسماها رؤيا لأنها وقعت بالليل ، أو لأن الكفرة قالوا لعلها رؤيا ، وقد قدّمنا في صدر السورة وجهاً آخر في تفسير هذه الرؤيا ، وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به ، وقيل : كانت رؤيا نوم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنه يدخل مكة فافتتن المسلمون لذلك ، فلما فتح الله مكة نزل قوله تعالى : { لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق } [ الفتح : 27 ] وقد تعقب هذا بأن هذه الآية مكية ، والرؤيا المذكورة كانت بالمدينة ، وقيل : إن هذه الرؤيا المذكورة في هذه الآية هي أنه رأى بني مروان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك ، فقيل : إنما هي الدنيا أعطوها فسرّي عنه ، وفيه ضعف ، فإنه لا فتنة للناس في هذه الرؤيا إلاّ أن يراد بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ، ويراد بالفتنة ما حصل من المساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يحمل على أنه قد كان أخبر الناس بها فافتتنوا ، وقيل : إن الله سبحانه أراه في المنام مصارع قريش حتى قال : ( والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ) ، وهو يومئ إلى الأرض ويقول : ( هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان ) فلما سمع قريش ذلك جعلوا رؤياه سخرية . { والشجرة الملعونة فِي القرآن } عطف على الرؤيا ، قيل : وفي الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلاّ فتنة للناس . قال جمهور المفسرين : وهي شجرة الزقوم ، والمراد بلعنها لعن آكلها كما قال سبحانه : { إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم } [ الدخان : 43 - 44 ] . وقال الزجاج : إن العرب تقول : لكل طعام مكروه : ملعون ، ومعنى الفتنة فيها : أن أبا جهل وغيره قالوا : زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر ، ثم يقول : ينبت فيها الشجر ، فأنزل الله هذه الآية . وروي أن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمراً وزبداً وقال لأصحابه : تزقموا . وقال ابن الزبعري : كثر الله من الزقوم في داركم ، فإنه التمر بالزبد بلغة اليمن ، وقيل : إن الشجرة الملعونة : هي الشجرة التي تلتوي على الشجر فتقتلها ، وهي شجرة الكشوث ؛ وقيل : هي الشيطان ؛ وقيل : اليهود ؛ وقيل : بنو أمية { وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا } أي : نخوّفهم بالآيات فما يزيدهم التخويف إلاّ طغياناً متجاوزاً للحد ، متمادياً غاية التمادي ، فما يفيدهم إرسال الآيات إلاّ الزيادة في الكفر ، فعند ذلك نفعل بهم ما فعلناه بمن قبلهم من الكفار ، وهو عذاب الاستئصال ، ولكنا قد قضينا بتأخير العقوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.