الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنٗا كَبِيرٗا} (60)

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ } فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته وهو مانعك منهم وحافظك فلا تَهَبْهُم وأمض لما أمرك به في تبليغ رسالته ، قاله أكثر المفسرين .

قال ابن عبّاس : يعني أحاط علمه بهم فلا يخفى عليه منهم شيء .

مقاتل والبراء : أحاط بالناس يعني أهل مكة أي أنها ستفتح لك .

{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } .

قال قوم : هي رؤيا عين وهو ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات فكان ذلك فتنة للناس ، فقوم أنكروا وكذبوا ، وقوم ارتدوا ، وقوم صدقوا ، والعرب تقول : [ رأيت بعيني ] رؤية ورؤيا وعلى هذا يحمل حديث معاوية أنه كان إذا سُئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كانت رؤيا من الله صادقة أي [ رؤيا عيان ] أرى الله نبيه صلى الله عليه وسلم وماذكرنا من تأويل الآية ، قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وأبي مالك وقتادة ومجاهد والضحاك وابن زيد وابن جريج وعطية وعكرمة وعطية عن ابن عبّاس .

وقال آخرون : هي ما أرى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى بروحه دون بدنه فلما قصها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه [ . . . . . . . . ] من أصحاب المسلمين وطعن فيها ناس من المنافقين . وهو ماروى جرير بن حازم عن أبي رجاء العطاردي ، يحدث عن سمرة بن جندب قال :

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة أستقبل الناس [ بوجهه ] فقال : " هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا " ؟ فإن كان أحداً رأي تلك الليلة رؤيا قصها عليه فيقول فيها ماشاء الله أن يقول فسألنا يوماً . فقال : " هل رأى منكم أحد الليلة رؤيا " ، قلنا : لا ، قال : " لكني أتاني الليلة آتيان فقالا لي : إنطلق فإنطلقت معهما فأخرجاني إلى أرض مستوية فإذا رجل مستلقي على قفاه ورجل قائم بيده صخرة فشدخ بها رأسه [ فيتبع ] الحجر فإذا ذهب يأخذه عاد رأسه كما كان فهو يصنع به مثل ذلك ، فقلت : ما هذا ؟ قالا : إنطلق فانطلقت معهما فأتينا على رجل مستلق لقفاه يرمش عينه ، فإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد فإذا هو يأخذ أحد شقي وجهه فيشر شر شدقه إلى قفاه وعينه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه ثمّ يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ذلك فما يفرغ من ذلك حتّى يصبح ذلك الجانب كما كان ثمّ يعود إليه ، فقلت لهما : سبحان الله ما هذا ؟ قالا لي : إنطلق فانطلقت معهما فأتيا على بيت مبني مثل بناء التنور أعلاه ضيق [ وأسفله واسع ] يوقد فيه النار فأطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب من أسفل [ ضجّوا ] ، قلت لهما : ما هؤلاء ؟

قالا لي : إنطلق فانطلقنا فأتينا على نهر من دم أحمر وإذا في البحر سابح يسبح فإذا على شاطىء النهر رجل عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فيذهب فيسبح مايسبح ثمّ يرجع إليه كما رجع إليه فيفغر له فاه فألقمه حجراً قال : فقلت ما هذا ؟ قالا : إنطلق فإنطلقت فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما رأيت رجلاً وإذا هو عنده نار [ يحشها ويسعى ] حولها قلت لهما : ما هذا ؟ قالا : إنطلق فإنطلقنا فأتينا على روضة [ معتمة ] فيها من كل نوع الربيع وإذا شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ طويل فإذا حوله صبيان كأكثر ولدان رأيتهم قط . قال : قلت ما هؤلاء ؟ قالا : إنطلق فإنطلقنا فأتينا على دوحة عظيمة لم أرَ دوحة قط أعظم منها [ ولا أحسن ] قالا لي : أرق فارتقينا فانتهينا إلى مدينة مبنية من ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فأستفتحناها ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم [ كأحسن ] ما رأيت [ وشطر كأقبح ] مارأيت ، قالا لهم : إذهبوا فقعوا في ذلك النهر وإذا نهر معترض يجري كأنه المخيض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا وقد ذهب السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قال : فقلت لهما [ والله ] إني ما رأيت مثل الليلة عجباً فما هذا الذي رأيت قالا إنا [ سنخبرك أما الذي ] أتيت عليه يشدخ رأسه بالحجر فإنه رجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة وأما الذي أتيت عليه يشرشر شدقه وعينه ومنخره إلى قفاه فإنه [ رجل يغدوا ] من بيته فيكذب [ الكذبة تبلغ الآفاق ] .

وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني ، وأما الرجل الذي يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا ، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها فإنه مالك خازن النار ، وأما الرجل الطويل الذي في [ الروضة ] فإبراهيم ( عليه السلام ) وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة .

أما القوم الذين كانوا شطر خلقهم حسناً وشطر قبيحاً فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً فتجاوز الله عنهم ، وأما الروضة فهي جنات عدن وأما المدينة التي دخلت فدار الشهداء . قال : بينما بصري صعدا فإذا مثل الذبابة البيضاء ، قالا لي : هاهو ذا منزلك ، وأنا جبرئيل وهذا ميكائيل . فقلت : بارك الله فيكما دعاني أدخل داري ، فقالا : إنه قد بقي لك ولم تستكمله ولو استكملته دخلت دارك " .

وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس قال : هي رؤيا التي رأى أنه يدخل مكة عام الحديبية هو وأصحابه وهو يومئذ بالمدينة فعجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة قبل الأجل فردّه المشركون .

فقال ناس : قد ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان حدثنا إنه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم وقد كان في العام المقبل سار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلها فأنزل الله عزّ وجلّ :

{ لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ } [ الفتح : 27 ] .

سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن حذيفة عن سعيد بن المسيب ، من قول الله تعالى { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } قال : أرى بني أمية على المنابر فساءه ذلك فقيل له إنها الدنيا يعطونها [ فتزوى ] عنه إلاّ فتنة للناس قال : بلا للناس .

وروى عبد المهيمن عن بن عبّاس عن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما إستجمع ضاحكاً حتّى مات ، فإنزل الله في ذلك { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } { وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ } المذكورة { فِي القُرْآنِ } يعني شجرة الزقوم ، ومجاز الآية : الشجرة الملعونة المذكورة في القرآن ، ونصب الشجرة عطفاً بها على الرؤيا تأويلها : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلاّ فتنة للناس فكانت فتنتهم في الرؤيا ماذكرت ، وفتنتهم في الشجرة الملعونة أن أبا جهل قال لما نزلت هذه الآية : أليس من الكذب ابن أبي كبشة أن يوعدكم بحرق الحجارة ثمّ يزعم إنه ينبت فيها شجرة وأنتم تعلمون إن النار تحرق الشجرة فما يقولون في الزقوم .

فقال عبد الله بن [ الزبوي ] : إنها الزبد والتمر بلغة بربرة .

فقال أبو جهل : ياجارية زقمينا فأتته بالزبد التمر ، فقال : يزعموا ياقوم فإن هذا ما يخوفكم به محمّد والله ما يعلم الزقوم إلاّ الزبد والتمر ، فأنزل الله تعالى

{ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ } [ الدخان : 43 ، 44 ] ووصفها في الصافات فقال :

{ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ } [ الصافات : 64 ] أي خلقت من النار وحذيت بها وأنزل الله { وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } .

وروى ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن مولى لبني هاشم حدثه إن عبد الله بن الحرث ابن نوفل [ أرسل ] إلى ابن عبّاس : نحن الشجرة الملعونة في القرآن ؟ قال : فقال : الشجرة الملعونة هي هذه الشجرة التي تلتوي على الشجر يعني الكشوث .